الاثنين، 7 يناير 2013


الإسلام ومتغيرات العصر

بقلم الباحث/ مصطفي محمود علي 
    نعم إن دين الإسلام هو دين يسر وسماحة وهو دين مرن, يقبل التطورات التكنولوجية التي ابتكرها الإنسان, طبقاً لمُتطلباتة وإحتياجاتة, وما دعت إلية الضرورة لأن يبتكر هذه الأشياء التي توفر له الجهد والوقت والعرق, فإن الإسلام لا يبدى رفضه إطلاقاً لهذه التطورات التي تخدم مصالح رعاياه وشعوبه, ما لم تخالف في ذلك الشرع ( الكتاب والسنة النبوية المطهرة).
     وإن من ينظر في عقول الناس ويتمعن يجد أن من بينهم, من هو متشدد تجاه كل ما هو جديد طرأ على الحياة والبيئة التي يحيا فيها, بل يكاد يرفض ركوب السيارة ولبس البدلة, متعللاً ومتذرعا بأن هذه الأشياء لم يفعلها الصحابة . بل إن كثيراً من عقول هذه الطائفة لا تعي حقيقة هذا الدين العظيم, الذي يضم بين جُنباتة كل ما هو جديد يُساعد على رقى وتقدم أبنائه, ما لم يُخالف في ذلك الشرع – كما ذكرت سابقاً – ولعل أبسط مثال على ذلك, اختلاف الفتاوى طبقاً لظهور أمور لم تكن موجودة من قبل, فأبو حنيفة و مالك و الشافعي وبن حنبل أئمة الإسلام وشيوخه, كانت بينهم فروق زمنية أحدثت هذه الأمور فأفتوا طبقاً لما تتطلبه هذه الأمور الجديدة الحديثة, وأعملوا الاجتهاد, طبقا لما ورد عن الرسول صلى الله علية وسلم " حينما بعث معاذ إلى اليمن, قائلاً له : بما تحكم فيهم قال: بكتاب الله قال إن لم تجد قال: فبسنة رسوله قال : إن لم تجد قال برأيي ولا أغالى.... "
     نحن نقف اليوم أمام عالم مليء بُمحدثات الأمور التي يُذهَلّ لها العقل البشرى, من صعود القمر إلى المشترى إلى اكتشاف كوكب آخر وراء بلوتو, إلى تصنيع صواريخ عابرة القارات, إلى اختراع أسلحة  تبيد البشرية جمعاء, إلى بث أقمار صناعية تدور حول الأرض ( كما يدور الحمار حول الرحى أو الساقية), إلى اكتشافات مثيرة في الطب البشرى حتى وصلوا إلى تصنيع إنسان آلي وزرع الأعضاء, وبناء الأبنية التي تناطح السحاب وتشييد البوارج الغواصات التي تغوص في أعماق البحار, وشق الأنهار في قلب الصحراء, وصولاً إلى التلفاز أو المفلزيون على حد تعبير الشيخ كشك – رحمه الله – واللاب توب وغيرة, وتتبارى هذه التطورات, حتى إن أحد اليابانيين ابتكر يدين تُصفقان أوتوماتيكياً ... ما كل هذا الذي يحدث...؟
       نحن أمة تعيش وسط أمم أخرى, لابُد لها من دِرع يقيها وعلم يدفعها إلى الأمام تحارب به أعدائها ومن يتربصون بها, هذا الإيمان واليقين وذاك العلم بإعمال العقل, لمّا طبُقا وصل الإسلام إلى عصرة الذهبي أيام هارون الرشيد, الذي صعد المنبر ذات يوم فرأى سحابة فخاطبها بقوله : "أمطري هنا إن شئتى, وإن لم تشائي فأمطري حيث شئتى فإن خراجك سيصلني أينما أمطرتى ", إن إعمال العقل هو السبيل الوحيد للتقدم, ويقول بن خلدون في مقدمته إننا لمّا أهملنا إعمال العقل تراجعنا – نعم هذا كلام جيد للغاية – فقد قامت الثورة الصناعية في أوروبا وعصر النهضة, على أكتاف علماء المسلمين الفطاحلة, الذين كانوا علمائنا موسوعيين. تجد العالم منهم له دراية بعلم الفلك والطب والصيدلة والرياضيات إلى جانب علم التاريخ, كل هذه العلوم متمثلة في شخص واحد.
     إننا تأسف حقاً لأننا لم نُطبق هذه العلوم في أوطاننا في وقتها أوعلي الأقل ولو بعد حين, فأخذها غيرُنا ونهضوا بها دوننا, بل العجيب أننا لم نكتشف قيمة عالم مثل بن خلدون مُبتكر علم العمران البشرى إلا بعد وفاته بعدة قرون, هل هذا يجوز لأمه كانت لا تغيب عنها الشمس ذات يوم ...!
     إننا الله نسأل أن يرد لنا هذه الأمة كما كانت في سابق عهدها, من تطبيق شرع الله, إلى إعطاء الحقوق إلى إقامة الحدود إلى نشر الإسلام إلى نبذ العولمة. 
     إن الحديث عن الإسلام ومتغيرات العصر حيث لابد لأمة الإسلام أن تواكب التقدم, وتقف دوماً على أعتابه وتكون على علم تام بكل ما يدور في العالم الخارجي على حدود أرضها, من ثقافات وعادات وتقاليد وأساليب الحياة المختلفة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وأن تقف على مستوى تقدمها العسكري وقوته وتقارن ذلك بقوتها وما توصلت إليه, ولا يجب ولن يجب ولم يجب أبداً أن تتقوقع داخل محيطها فقط, بل على دولة الإسلام أن ترنوا بأبصارها إلى الخارج مُظهرة نفسها بقوتها وصولجانها حتى لا يشمت الأعداء فيها, وعلى هذه الأمة أن تبنى نفسها بكل وسائل التقدم لا فقط أن تستورد من الخارج, بل تُصنع بنفسها.
  وإذا ألقينا نظرة على أن الإسلام يواكب متغيرات العصر وتطوراته, ونضرب مثالاً بل ونكرر الأمثلة على ذلك, لنرى كيف أن خليفة المسلمين الثاني عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فاروق هذه الأمة خشي على جنوده من ركوب البحر, لنرى الخليفة الثالث يقرر هذا الأمر, وكانت معركة ذات الصواري خير دليل على شجاعة المسلمين وبسالتهم في البر والبحر, وقاد معاوية بن أبى سفيان وهو من قادة الإسلام العظام معارك عديدة بالسفن تحارب أعداء الإسلام, وكان النصر دوماً حليفا للمسلمين . وإذا نظرنا إلى أدوات أخرى أقتبسها الإسلام من الخارج وطوعها له, لنرى كم هو عظيم هذا الدين...!
    ولو مررنا سريعاً بالزمن لنقف عند دولة العثمانيين لنشاهد أنهم استخدموا البنادق والمدافع لمّا رأوا الأوروبيين يستخدمون ذلك في حروبهم, وقد أبدى أحد المماليك إعجابه ودهشته عندما دخل العثمانيين   مصر وأسروا هذا الرجل, فقال في حبسه عندما دار حديث بينه وبين أُناس أُخُر قال: (يقصد العثمانيين) "لو حاربونا وجها لوجه لأريناهم مرارة الهزيمة ", وإن دل هذا الكلام على شئ فيدل على أن المماليك كانوا بمعزل عن عما يدور خارج حدود دولتهم .
   فلا ينبغي لأمة الإسلام أن تكون بمنأى عن الأحداث العالمية كما كانت دولة المماليك في بعض أيامها, وإننا بحق نشكو من مرارة الفرقة والتمزق بين أرجاء العالم الإسلامي.
     ليست أمريكا أكثر منا في الطاقات البشرية والموارد البيئية واتساع المساحة واختلاف المناخ في شتى بقاع ديار الإسلام, ولعل الفارق الواضح هنا بين الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي, أنهم يقُدسون العمل ويضعون شروطاً قاسية لمن يهدر وقت عملة ويلهثون وراء كل ما هو جديد في شتى العلوم مهما كلفهم ذلك من أموال, وهذا الأمر الذي دفعهم إلى الإمام, لذلك احتضنوا العلماء وزودوهم بكل ما يحتاجونه إليه من عوامل مادية, وهذا ما نفتقده نحن أمة الإسلام لذلك هم وصلوا إلى مراحل بعيدة المدى , قلما تصل إليها دولة تستخدم أدوات بدائيه في عصر الفنتو ثانية, فعلى حكام المسلمين أن ينتبهوا لذلك وإلا.....
        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق