الخميس، 31 يناير 2013

من هم "بلاك بلوك"

من هم "بلاك بلوك"... الكتلة السوداء


تردد مؤخراً في وسائل الإعلام مصطلح" بلاك بلوك"، ورغم أنه ليس جديداً وسبق لهم أن نشطوا في أنحاء مختلفة من العالم، إلا أنه أول ظهور لهم بين جموع المتظاهرين في مصر ليصبح أفرادها والمتشبهون بهم مطلوبين من النيابة العامة في مصر، فمن هم؟.



"بلاك بلوك" تعني الكتلة السوداء وهي اسلوب للتظاهر التخريبي، و يندس وفقه المحتجون بين صفوف المظاهرات السلمية مرتدين الأسود وملثمين لإخفاء هويتهم فيبدون ككتلة واحدة كبيرة تحفز الناس على المشاركة بعمليات تخريب للممتلكات العامة والعصيان المدني.

ويتحد أعضاء "الكتلة السوداء" على "رفض الرأسمالية والفاشية وكل أشكال التمييز العنصري"، وهم مع نظام الميليشات وضد التجنيد والسجون.

كما أنهم ضد تدمير البيئة واستنفاذ الموارد الطبيعية وهم أيضاً ضد العولمة ومع لامركزية السلطة عن طريق الحكم الذاتي، ويدعون للسلام في العالم قاطبةً دون التقيد بحدود، وهم مع قيام ثورة تحررية عالمية، كما يدعون لتحرر الفن بعيداً عن إملاء ثقافة بعينها على شعوب العالم.

وتمنع "الكتلة السوداء" التعاون مع السلطات انطلاقاً من فكرة "اللاسلطوي"، كما هو الحال في الاتحاد التكتيكي أو الاستراتيجي مع الأحزاب والحركات اليمينية والليبرالية واي منظمات ذات توجه فاشي، كما لا تسمح بتنفيذ أي اجراءات تؤدي لمعاناة الأبرياء.

وظهر تكتيك "بلاك بلوك" في عام 1980 في ألمانيا عندما هاجمت قوات الشرطة معسكرا سلمياً ضم 5000 شخصاً تجمعوا اعتراضاً على انتشار الطاقة النووية، وأدى العنف المطبق لتبني المحتجين فكر المقاومة العنيفة.

وفي نهاية العام ذاته شنت الحكومة في برلين الغربية حملة من الاعتقالات الواسعة،  إلا أنها أدت لاتساع رقعة الاحتجاج لتشمل عدة مدن في ألمانيا، وصولاً لوقوع "الجمعة السوداء" والتي اشترك فيها قرابة الـ17 الف متظاهر؛ سيطروا على شوارع المدينة وقاموا بأعمال تخريب، وارتدى الغالبية أقنعة ولباساً اسوداً ما حال دون امكانية التعرف عليهم ليتفادوا الاعتقال لاحقاً.

واطلقت وسائل الاعلام الألمانية على المتظاهرين اسم "ديشوارتز بلوك" أي الكتلة السوداء، وفي عام 1986 أدت تظاهرات "بلاك بلوك" في مدينة هامبرغ لخسائر في المرافق العامة قدرت بعشر ملايين دولار.

 ومع اقتراب نهاية القرن العشرين، اتسعت رقعة نشاط "بلاك بلوك" لتنتقل الى العالم، في عام 1989 احتجوا في البنتاغون، وفي عام 1991 احتجوا ضد بدء حرب الخليج، وفي عام1999 ظهروا في مسيرة معادية لاجتماعات منظمة التجارة العالمية بسياتل الأمريكية.

وبدأ ظهور "بلاك بلوك" في المنطقة العربية من مواقع التواصل الاجتماعي بالإنترنت وتحديدا "فيسبوك" عندما ظهرت صفحة "الكتلة الثورية السوداء" بالتزامن مع أحداث ثورة 25 يناير، الا أنها لم تظهر للعلن الا عند قدوم الذكرى الثانية لثورة 25 يناير في عام 2013.

فأوضحت مجموعات "الكتلة الثورية السوداء" أنها ظهرت بشكل علني لمواجهة ما قالت عنه "المليشيا العسكرية لجماعة الإخوان المسلمين". 

وذكرت في بيان أن مبدأ التنظيم يقوم على أساس عدم الالتزام بسلمية المظاهرات، وأن جميع الأعضاء يقومون بالظهور ملثمين ولا يسمح لأحد منهم بالكشف عن هويته، وانهم يتحدثون إلى بعضهم البعض من خلال رموز وارقام متفق عليها فيما بينهم فقط.

المصدر: 
http://anbamoscow.com/world/20130130/379761366.html

السبت، 26 يناير 2013


حافظ إبراهيم

بقلم/ مصطفي محمود علي
mostafamahmmoud_28@yahoo.com

    شاعرنا الكبير (حافظ إبراهيم) المعروف بـ"شاعر النيل" عاش حياته غاضباً من كل شئ حوله، بسبب فساد المجتمع، وتردّي الأوضاع السياسية والاجتماعية... بالرغم من أنه عاش في زمن كان المرء فيه يجد علي الحق أعوانا .. فعصره كان يضم رجالاً أكفاءً، أمثال الإمام محمد عبده ومصطفي كامل، وعبدالله النديم، والشيخ سليم البشري، وغيرهم .. فهؤلاء رافقهم –شاعرنا- وجلس إليهم ، واستمع إلي خطبهم ودروسهم، ووجد ضالته عندهم ، فاستلهم آرائهم ، وسار علي نهجهم ، واكتسب منهم أجمل المعاني، وأرقي المبادئ والقيم كالشجاعة ةالوطنية، والعصامية.. فما أجلها من قيم ومواريث، وما احوج الناس إليها في دينهم ودنياهم ..فلو توافرت هذه الأخلاقيات بين البشر، لما تاه الناس في فلورات التيه والضلال، وما عم الظلم والإستبداد وما أصابهم من الذل والقنوط واليأس ما أصابهم.
    عندما أُلحق (حافظ ابراهيم) بسلاح المدفعية بالسودان تبرم وضاق ذرعاً بالعيش هناك، فأرسل كتابين إلي الإمام محمد عبده يشكو فيهما سوء حالة، وأنه حلّ حلول " الكليم" في التابوت و"المغاضِب" في جوف الحوت بين الضيق والشدة، والوحدة والوحدة .. لا بلْ حل حلول الكافر في يوم الحساب بين نارين: نار القيظ ونار الغيظ. فاستنجد بالإمام ليتوسط لدي المسؤلين  لنقله إلي القاهرة.[1]
    لّما عاد إلي  القاهرة ازدادت صلته بالإمام توثيقاً، فكان يجالسه كثيراً في دروسه، وكان الإمام دائماً يعطف عليه ويمده بما يحتاج. وقد روي العقاد نقلاً عن حافظ إبراهيم مفسه أن الإمام محمد عبده تسلّم من حافظ أكثر نسخ قصة "البؤساء" بعد صدور الجزء الأول، ثم أسلم حافظ من ثمنها ما يكفيه سنوات! لولا أن رزق السنوات- كما يقول العقاد- لا يتجاوز في يدي حافظ مدي الشهور، وظل عائشاً في كنفه مبره خمس سنوات قلّما كان يفارق مجلسه فيها فأفاد منه علماً وخلقاً وإدراكاً صحيحاً بشؤن الحياة، كما افاد التعرف إلي عظماء مصر وكبار رجالاتها وقادة الرأي فيها أمثال: مصطفي كامل، ومحمد فريد، وسعد زغلول، وقاسم أمين، وغيرهم من زعماء السياسية و الفكر والأدب.
     لكن المثل الأعلى لحافظ هو "محمود سامي البارودي" رأس المدرسة الكلاسيكية الجديدة وباعث النهضة الشعرية وكان حافظ يدعوه بــ"أمير القوافي" ويري نفسه تلميذه وفتاه، فتطاول طموحه منذ اخذ في نظم الشعر إلي مقام البارودي. وهناك بواعث كثيرة قربت بينهما، فحافظ قد اختار حياة الجندية كما اختارها البارودي من قبله، وحافظ كان مفطورا كصاحبه علي إثار الجزالة والإعجاب  بالصياغة والفحولة في العبارة.
    من هنا كان حافظ إبراهيم أقرب إلي "التراثية" من شوقي بينما كان شوقي أقرب إلي "التجديدية" والتأثر بالثقافات الأجنبية من حافظ، فوجد حافظ في العبارة القرآنية المثل الأعلى في التراثيات فطّعم بها شعره.. أو كما قال العقاد: "كان مفطوراً بطبعه علي إثار الجزالة والإعجاب بالصياغة والفحولة في العبارة".
    كان حافظ من أشد الشعراء حرصاً علي اختيار اللفظ وتذوق الجرس الذي يقع في أذنه وفي نفسه حين يختاره، وكان حريصاً علي أن تكون ألفاظه فخمه تحرك المشاعر وتثير العواطف، وكان أشد ما يكون حرصاً علي ذلك في مطالع قصائده، وقد وجد في الكلمة القرآنية والأسلوب القرآني مثله الأعلى الذي يُغذي هذا الطابع لديه، ولعلّ هذا كان من ثمار مجالسته وحضوره دروس الإمام محمد هبده، إذ يقول حافظ: فقد كنتُ ألصق الناس بالإمام، أغشي داره وأرِد أنهاره وألتقط ثماره..." فاستعمل –شاعرنا" ألفاظ القرآن ليجذب ويتصيد المشاعر لما لها في الأسماع من نغم محبوب جذاب.
   لكن مهما تحدث المتحدثون، ومهما كتب الكاتبون عن الصفات النادرة والشمائل الجميلة التي اتسم بها (شاعر النيل) فلا أحد يستطيع أن يغفل شجاعته وجرأته، فلا يحاربه أديب في إقدامه وشجاعته، وذلك في مختلف أطوار حياته ومواقفه هذا هو السبب الذي غاب عن كثير من الناس في سرّ العلاقة المتينة التي ربطت العقاد بحافظ إبراهيم.. فكلاهما يتسم بـ"العصامية" وهذه الصفة لا يقدر عليها إلا أولوا العزم من الرجال.
   فهؤلاء عاشوا كراماً، وللم يتسلقوا مع المتسلقين، أو يرقصوا مع الراقصين! بلْ عُرضت عليهم المناصب الرفيعة فرفضوها، وأداروا لها ظهورهم، في سبيل أن يقولوا كلمتهم غير مكترثين بجاه أو سلطان .. وذلك عكس كثير من أدباء هذا الزمان الذين يتاجرون بقضايا أوطانهم وأمتهم، ويُسوِّقون النظريات الفاسدة باسم "الاشتراكية" والعلمانية" و"الحداثة" و"التنوير" و.. ويصعدون بالرشاوى والكذب والعمالة ، بل يصعدون علي أكتاف الضعفاء وجماجم الموتى، ويبيعون آخرتهم من أجل عرض زائل وسراب خادع !
    من مواقف "حافظ السياسية؛ انه حمل علي السلطان التركي عبد الحميد حملة شعواء، وأسرف في هجائه إسرافاً شديداً بسبب ضعفه وترهل كيان الأمة في عهده : فقال في هجائه:
بُيح حِماها وانطوي مجد ربها
وقامت علي البيت الحميدي نوائبه
ولم يغنِ عن عبد الحميد دهاؤه
ولا عصمت عبد الحميد تجاربه
ولم يحمهِ حصنٌ ولم ترم ِ دونه
دنانيره والآمر بالآمر حازبه
ولم يخفهِ عن أعين الحق مخدعٌ
ولا نفق في الأرض جم مساربه
وأصبح في منفاه دونه
يغالب ذكري ملكه وتغالبه
يناديه صوت الحق ذقْ ما أذقتهم
فكل امرئ رهن ٌ بما هو كاسبه
 إلي أن قال:
مضي عهد الاستبداد واندكَّ صرحه
وولت أفاعيه وماتت عقاربه

كما حمل حافظ بشدة علي كثير من البدع والضلالات التي تسئ إلسي الدين، حمل أيضاً بشدة علي صنف من العلماء والفقهاء الذين لمْ يراعوا قيمة العلم وقداسة الفقه، فسلكوا طريق النفاق والكذب والفتن والوقيعة في سبيل تحقيق أهداف وغايات دنيا: فيقول:
كمْ عالمٍ مدّ العلوم حبالاً
لوقيعةٍ وقطيعةٍ وفراقِ
وفقيه قومٍ ظل يرصد فقهه
لمكيةٍ أو مستحل طلاق
يمشي وقد نُصبت عليه عمامته
كالبرج لكن فوق تل نفاق!
يدعونه عند الشقاق وما دروا
أن الذي يدعون شقاق

   تظهر وطنية حافظ في مناوأته للظلم والظالمين، فالظلم هو شر الظلمات وأبعدها أثراً في المجتمعات، فالظالمون لا يراعون حق المواطنة، ولا حق الدين فعلي أيديهم يخرب الوطن ويدمر بنيانه، ويسلطون جورهم علي أبناء وطنهم وأبناء دينهم، وفي ذلك يقول حافظ:
لحي الله عهد القاسطين الذي به
تهدّم من بياننا ما تهدما
إذا شئت أن تلقي السعادة بينهم
فلا تكُ مصرياً ولا تكُ مسلما
سلام علي الدنيا سلام مودّع
رأى في ظلام القبر أُنساً وغنما

   في أشعاره يتغني حافظ  برأي الجماعة الذي يعتمد علي قاعدة الشورى، فهي سرّ سعادة الأمم، أمّا الإنفراد بالرأي والاستبداد، فيجلب لها الشقاء والخراب:
 رأى الجماعة لا تشقي البلاد به
رغم الخلاف ورأى الفرد يشقيها

لحافظ إبراهيم عدد كبير من القصائد الساخطة علي الأوضاع الاجتماعية والسياسية في مصر، ويكشف عن مدي الفساد  والانحلال الذي أصاب كيان الأمة، وأوهي عزيمتها، وإذلال فرسانها .. فكأنما – شاعرنا- يتحدث عن أيامنا هذه، فلا تغيير ولا تبديل، إلاَّ في الأسماء والألقاب، بل حتى الأسماء تتكر مرة أخري بمرور الليالي والأيام ، فاستمع إلي – حافظ- من قصيدة في شؤون مصر السياسية، قالها في عهد وزارة إسماعيل صدقي باشا..     وقد نظمها حافظ بعد إحالته إلي المعاش في سنة 1932 وكانت تبلغ نحو مأتي بيت لم نعثر منها إلاّ علي هذه الأبيات:[2]
قد مرَّ عامُ يا سعاد وعامُ
وابنُ الِكنانةِ في حِماُه يُضَامُ
صَبٌّوا البَلاء علي العِبادِ فنصفُهُم
يَجبي البلادَ ونِصِفُهُم حُكامُ
أشكُوا إلي (قَصرِ الدُّبارِةِ) ما جني
(صِدقيِ الوزِيرٌ) وما جَبيَ (عَلامُ)


[1] محمد عبدالشافي القوصي: شعراء في مواجهة الطغيان، ط الاولي، مكتبة جزبرة الورد،  2011 ، ص133

[2] [2] محمد عبدالشافي القوصي: شعراء في مواجهة الطغيان، ط الاولي، مكتبة جزبرة الورد،  2011 ، ص 137

الاثنين، 21 يناير 2013

أهمية الصوم الطبية لمرضى القلب
بقلم الباحث/ مصطفي محمود علي
يوضح دكتور جمال شعبان، أستاذ القلب بالمعهد القومى للقلب، أن للصوم عدة فوائد، فالصوم يوقف عملية امتصاص المواد المتبقية فى الأمعاء، ويعمل على طرحها، والتى يمكن أن يؤدى طول مكثها إلى تحولها لنفايات سامة، كما أنه الوسيلة الوحيدة الفعالة التى تسمح بطرد السموم المتراكمة فى البدن والآتية من المحيط الملوث.

وبفضل الصوم تستعيد أجهزة الإطراح والإفراغ نشاطها وقوتها، ويتحسن أداؤها الوظيفى فى تنقية الجسم، مما يؤدى إلى ضبط الثوابت الحيوية فى الدم وسوائل البدن، ولذا نرى الإجماع الطبيعى على ضرورة إجراء الفحوص الدموية على الريق، أى يكون المفحوص صائماً، فإذا حصل أن عاملاً من هذه الثوابت فى غير مستواه فإنه يكون دليلاً على أن هناك خللاً ما.

وبفضل الصوم يستطيع البدن تحليل المواد الزائدة والترسبات المختلفة داخل الأنسجة المريضة. والصوم يضمن الحفاظ على الطاقة الجسدية ويعمل على ترشيد توزيعها حسب حاجة الجسم. والصوم يحسب وظيفة الهضم، ويسهل الامتصاص ويسمح بتصحيح فرط التغذية. الصوم علاج شاف، وهو الأكثر فعالية والأقل خطراً لكثير من أمراض العصر المتنامية، فهو يخفف العبء عن جهاز الدوران، كما تهبط نسبة الدسم وحمض البول فى الدم أثناء الصيام، فهو وقاية للإنسان من الإصابة بتصلب الشرايين، وداء النقرس، وغيرها من أمراض التغذية والدوران وآفات القلب.

أما عن تأثير الصيام على حالة القلب، فعشرة فى المائة من كمية الدم التى يدفع بها القلب إلى الجسم تذهب إلى الجهاز الهضمى أثناء عملية الهضم. وأضاف أنه خلال الصيام يحدث انخفاض كبير فى كمية الدم التى يدفع بها القلب إلى الجهاز الهضمى، وهذا يعنى عملاً أقل للقلب، وبالتالى قدراً من الراحة، كما أنه وأثناء عملية التحويل الغذائى فإن عملية تكون الكيتون قد تشكل خطراً فى بعض الحالات المرضية، ولهذا فإنه ينصح بعدم الصيام فى مثل هذه الحالات، خشية أن يلحق بالمريض ضرر إذا ما صام، ومثل ذلك مرضى السكر الذين يعانون من زيادة مادة الكيتون فى الدم، أو الذين يعالجون بعقار البيجوانيد، وذلك لوجود خطورة تكون حامض اللاكتيك.

وأشار إلى أنه فى حالات مرضى الكلى لا ينصح بالصيام للأسباب نفسها، بالإضافة إلى أنه فى هذه الحالات المرضية السابق ذكرها يجب تناول كميات كبيرة من السوائل، لضمان إدرار كميات معقولة من البول، مضيفا أنه يجرى معالجة البدانة بالصيام، حيث إن السمنة المفرطة وازدياد تراكم الشحوم فى البدن تشكل خطراً حقيقياً على حياة الشخص من جراء تعرضه لآفات شديدة الخطورة كتصلب الشرايين، وارتفاع الضغط الدموى، وتشمع الكبد، والسكرى، وأمراض القلب العضوية، والنزيف الدماغى، وغيرها، كما يعتبر الصيام وسيلة غريزية مجدية فى إذابة الشحوم فى البدن، واعتدال الأغذية فيه، إضافة إلى أن اعتدال العلاجات الفيزيائية مثل المشى والتمارين الرياضية والتدليك والحمامات المائية تعطى أفضل النتائج

الأربعاء، 16 يناير 2013

غسيل الدماغ أيام مبارك

                  غسيل الدماغ أيام مبارك

                                الكاتب /مصطفي محمود علي 

باحث في التاريخ الحديث والمعاصر جامعة القاهرة
mostafamahmmoud_28@yahoo.com
                  غسيل الدماغ أيام مبارك
    لاشك إننا ألان بصدد عمليات غسيل للمخ عمت كل أرجاء البلاد وخاصة منذ اندلاع ثورة 25يناير, لذا فأرجوا أن تنتبهوا جيداً إلي أن هناك عدوا لا يظهر في ثوب المحارب بقدر ما يظهر أثرة على فكر الأمة, رجالها ونسائها, شبابها وشيوخها, مسلميها ومسيحيّوها, وعلي كل حال لابد وأن نلقي نظرة علي معني غسيل الدماغ وكيف يستخدمه العدو وأساليبه سائلين المولي أن يجنبنا هذا الأسلوب بعدما أذقنا مرارته في حكومة اللامبارك شدد الله أسرة وأهلكه كما أهلك عادً وثمود....
مفهوم غسيل الدماغ ( Brain washing)
     ليس غسيل المخ بجديد فقد عرفت الأمم في بعض أطوار تاريخها نوعاً من فرض المذاهب والعقائد على مواطنيها .ومصطلح غسيل المخ هو ترجمة للكلمة الصينية- ( Hesi Nao  ) هي سي ناو- ، والتي معناها ( إصلاح الفكر) .
  و أثناء الحرب الكورية في منتصف القرن الماضي رجع بعض الأسرى الأمريكيين إلى بلادهم وهم مؤمنين بالاشتراكية داعيين إلى المحبة و السلام ناقمين على حكومتهم الاستعمارية مبدين إعجابهم من معاملة الكوريين الشماليين لهم, نتيجة لعملية غسيل المخ التي مورست عليهم أثناء أسّرِهم.
   وفي عصر اللامبارك رأينا مشاهد يُندي لها الجبين من عمليات الاعتقال وغسيل الدماغ بدعوي الإرهاب، واستند في ذلك إلي قانون الطوارئ الذي به غلق كل فم كان مطالباً بالحرية، وبه قامت الثورة لإلغائه بل و الثورة علي كل شئ، ما أقبح رئيساً يُحارب الحرية ويدعي أنه من أنصارها. 
     وغسيل المخ هو نوع من التعامل النفسي يدور حول الشخصية الفردية, بمعنى قتل الشخصية  إلى حد التمزق, بحيث يصبح من الممكن التلاعب بها وإعادة تشكيلها وفقا لإرادة 
خبير غسيل المخ ,كما يقول الدكتور أحمد بدر.
     فمفهوم غسيل الدماغ إذن, هو عملية منظمة يستخدمها العدو لخلق النقيض النفسي, والعقلي, وتفعليه عند السجناء والمعتقلين, وذلك بهدف تحويل اهتماماتهم الوطنية والدينية إلى دنيوية، خصوصا عندما يُقارن المعتقل نفسه بالآخرين فيصاب بالغصة, إذا لم يكن الندم في مرحلة متقدمة.


بداية الاستخدام
   وبدا استخدام هذا المفهوم منذ عام 1951 والذي اخذ من عملية تنظيف الدماغ والتي استخدمها الصينيون لتخليص الأفراد من معتقداتهم القديمة، ليتمكنوا من التعايش بسلام في ظل النظام الشيوعي ، ثم أصبح اصطلاح فيما بعد يستخدم ليدل على المحاولات المختلفة التي تبذل لتغيير آراء السجناء وتطلعاتهم سواء كان من أسرى الحرب أو المدنيين، ويجب أن نميز بين أسلوب غسيل الدماغ وباقي أساليب الحرب النفسية، مثل الدعاية، والإشاعات، ومحاولات الإقناع... مما يؤدي إلى تعديل أو تغيير أفكار الفرد أو معتقداته أو سلوكياته... حيث أن أسلوب غسيل المخ هو أسلوب فردي تُوجه فيه الجهود إلى فرد واحد مُحدد، بينما الأساليب الأخرى في الحرب النفسية غالبا ما تُوجه إلى الجماعة، ويعتبر غسيل المخ من العمليات القسرية أو الإجبارية لإكراه الأفراد من أجل تعديل أفكارهم أو معتقداتهم والتحول عنها.
مراحل غسيل الدماغ(المخ)
   وتهدف عميلة غسيل المخ إلى تحويل الفرد الأسير عن أفكاره واتجاهاته الوطنية وقيمه وأنماط سلوكياته أو كبت معتقداته، أو الاتجاهات التي كان يتبناها مع الإيمان أو الاعتقاد بالنقيض وغير ذلك وعميلة غسيل المخ تنفذ على مراحل:
1- مرحلة التذويب والتي تهدف إلى وضع الفرد في وضع يشك معه في القيم التي يحملها، من السابق لدرجة يميل إلى تغييرها أو حتى إلى اعتناق قيم بديلة لها، وقد أظهرها العدو سابقا عندما كان يربط بين إطلاق سراح بعض السجناء والتوقيع على وثيقة نبذ ما يسمى الإرهاب من وجهة نظرهم ، حيث تتفاوت أيضا ردود السجناء تجاهها، ورفضها البعض من سنين ولا زالوا في الأسر. 
2- مرحلة التغيير إعادة تعليم الفرد الأسير المعتقدات والأفكار التي يراد أن يكون عليها وتعتمد هذه العملية على بعض الأسس النفسية الهامة وهي:
-  العمل على إنهاك الفرد الأسير فكريا ونفسيا، وجسديا لدرجة التعب والإعياء وضعف القدرات الفكرية، والقدرة على الانتباه والتركيز، ويصبح الفرد في هذه المرحلة في حالة تشتت وضياع وتتضح هذه الملامح من خلال المداهمات الليلية أثناء النوم أو السجن الانفرادي ،... الخ.
-  عدم القدرة على التكيف أو إعادة التوازن العقلي والنفسي، بسبب المعاناة وعميلة العزل الطويلة  -شاهد على ذلك-، والتعذيب أحيانا مما يجعل الفرد يائسا، مستسلما يسهل تطويعه والسيطرة عليه...
- الإيحاء النفسي والتأثير بالجوانب النفسية والعقلية والسلوكية لدى الفرد وتشكيل سلوكه بالشكل المطلوب، وفي عميلة غسيل الدماغ تتحرك الإيحاءات في اتجاه واحد مركز حيث يتعرض الفرد أو الأسير لضغط جسدي ونفسي كبيرين، مع الإيحاء للأسير على تكوين اعترافاته وخاصة بعد أن يضعف لديه القدرة على التمييز العقلي بين أفعاله وأفكاره، وبين ما يوحي إليه عن طريق مستجوبيه.
- تنمية الإحساس بالذنب لدى الأسير (أو السجين) بحيث يطلب من الأسير مراجعة تاريخ حياته السابقة، وتبرير أفعاله السياسية والشخصية، والأخطاء التي قام بها مما يثير لديه الإحساس بالذنب، والخطأ وبالتالي كراهية الذات، والإحساس بالدونية و الضعف، وعدم الثقة بالنفس ... مما يجعله يتقبل آراء الآخرين وأفكارهم ويخدم مصالحهم . 
- تدمير الذات: إن عملية الإذلال، والتحقير، والتعذيب ... تؤدي بالفرد إلى احتقار ذاته، والتقليل من نظرته لذاته وهذه العملية تكون مؤثرة كلما كان الفرد ذو أهمية وسلطة ونفوذ ... وهو يقارن بين ضعفه وعجزه, وبين قوة أو سيطرة مستجوبيه، وهذه كلها تضعف من قدرة الفرد العقلية و النفسية على مقاومة عملية غسيل الدماغ.]
3- يخضع الضحية لعملية استكشاف غير صريحة تسعى إلى تحديد نقط الضعف في شخصيته الفردية، وأداة الوصول لذلك المقابلة أو المحادثة الشفهية الحرة، التي قد تتم دون أن يعلم الضحية بغايتها الحقيقية  
4-. 4-مرحلة إثارة القلق : حيث يتم التلاعب بنقاط الضعف إلى حد التمزق وهذه العملية يسهل تنفيذها على الأسرى والمعتقلين حيث يكون الضحية مقيداً في حركاته وتنقلاته وعلاقاته ، ولكنها لا تستحيل بالنسبة للآخرين ، وبصفة خاصة الدبلوماسيين بفضل العنصر النسائي والوسائل الأخرى.  
5-عندما تصل الضحية لمرحلة التمزق الكامل ، تبدأ مرحلة إعادة تشكيل شخصية الضحية ، ويتولى هذه العملية المحلل النفسي الذي يتسلم الشخص عقب وصوله إلى حالة التمزق ، ويعيد تشكيل شخصيته وفقاً للنموذج المستهدف) يصبح الشخص طفلاً في يد المحلل يشكله كما يريد (
 6-الإطلاق : في هذه المرحلة يعلن المحلل النفسي أن الشخص قد أضحى صالحاً لأن يطلق في مجتمع العدو ناقلاً السموم التي حقن بها)) 
الأساليب الفنية لغسيل الدماغ
1- السيطرة الكاملة : أي التحكم الكامل بكيان الضحية (السجين مثلا) ووجوده ويشمل هذا التحكم كل تصرفاته، حتى بالنسبة لقضاء حاجاته الخاصة . ويطبق في هذا الخصوص قواعد صارمة تغطي جميع ساعات يقظته ونومه ، والهدف : وضع السجين تحت مضايقة سكيولوجية مستمرة ، وإعطاءه الدرس بأن سجانيه هم القادرون على كل شيء وأنه لا حول له ولا قوة . 
2- الضياع والشك : يُهمل السجين فلا يُبلغ الاتهامات المُحددة ضده ، وتقابل شكواه بالغضب ثم يطلب إليه الاعتراف الكامل … فيحتار ، فهو لا يستطيع الدفاع لجهله بالتهم ولا يستطيع أن يرجئ طلباتهم بالاعتراف . 
3. العزل : عن الأسرة والعالم الخارجي . 
4. التعذيب : العقلي والبدني والنفسي . 
5. الإنهاك الجسدي : بنوع الطعام والنوم المتقطع … الخ . 
6. التحقير الشخصي .
7. تثبيت الجرم.
   وسائل غسل الدماغ 
-1استخدام العقاقير الخاصة : التي تؤدي للاختلالات والإغماء والرعشة . 
-2 الصدمة الكهربائية : لها نفس مفعول العقاقير ، وتؤدي الوسيلتان إلى طرد عادات واتجاهات اكتسبها الدماغ المريض فتخف أوهامه وتتلاشى تخيلاته ولا يجد الدافع القوي للانتحار أو قتل الآخرين . 
3 -غيبوبة الأنسولين : حيث يؤدي حقنه لخفض السكر بالدم وغيبوبة عميقة . 
-4 استئصال جزء من الفص الدماغي الجبهوي : مما يزيل حالات التوتر ، ويؤدي إلى تبديل شخصية الضحية حيث يقول بعض العلماء أن بعض الأفراد ممن أجريت لهم هذه الجراحة نسوا عقيدتهم الدينية تماماً . 
5 -الأسلوب السلوكي : بتنفير الفرد من سلوك معين وغرس الكراهية والنبذ لهذا السلوك أو العادة لديه ويتضمن هذا الأسلوب : تجويع المريض وعزله ووضعه تحت إضاءة خافتة أو شديدة ، أو في غرفة معتمة وإعطاءه أدوية تسبب القيء والدوار ، وإسماعه كلمات سيئة ، ثم كلمات محبوبة حين الانتهاء ، ويستخدم التيار الكهربائي المتقطع أثناء الإيحاءات … مع تكرار هذه الطرق لأسابيع أو أشهر مما يؤدي لتغيير في عادات أو أفكار الضحية . 
-6 التنويم المغناطيسي : وله طريقتان :
الأولى : استخدام الإيحاء في عقل الشخص النائم ليلتقط الأفكار المطلوبة فتطبع كلها أو جزء منها في يقظته ، وتحدث بذلك تغييراً وتحويرا في فكره واتجاهاته . 
الثانية : الحصول على اعترافات وشروح وتفاصيل مكتومة بطريقة سريعة ومختصرة . 
   

العمليات السيكولوجية في غسيل الدماغ
1-التقمص : يتقمص السجين عادة شخصية أكبر وأهم شخص من مستجوبيه أي أكثرهم نفوذاً وسيطرة ، وهذه العملية قد تؤدي لتعاطف السجين مع سجّانه فيسهل تطويعه.  
هبوط المقدرة الفكرية : الضعف الصحي يؤدي للتفكير غير المتماس.-2
3-قلة التلاؤم : نتيجة العزل الطويل ، وما يسببه ذلك من سهولة التطويع.  
4-الإيحاء : ويلعب دوراً أساسياً في معاونة الأسير على تكوين اعترافاته وخصوصاً أنه لم يعد قادراً على التمييز بين أفعاله هو والأفعال التي أوحيت إليه عن طريق مستجوبيه.
التكرار: تكرار القول أنه مذنب تؤدي للتقبل.-5
6-الشعور بالذنب : إجباره على مراجعة حياته الماضية وتبرير أفعاله الشخصية والسياسية من شأنه أن يثير لدى الأسير بعض الشعور بالذنب.  
تدمير الذات : عبر الإذلال والتحقير ، فتقل مقاومته لغسيل الدماغ-7 
السلوك المشروط : باستخدام الثواب والعقاب وإيجاد علاقة مع تقدم السجين ومدى استجابته.-8
9- السلوك غير العقلاني بوجه المثير المفاجئ : الإخضاع للتحقير والمذلة والألم والخوف والجوع يؤدي للتصرف بطريقة انفعالية وعاطفية وسيقوم بالتسليم لسجانيه والإذعان لهم بعد وقت قصير . 
. 10- تناوب الخوف والأمل : مع المعاملة القاسية والوحشية فإن سجانيه حريصون على استمرار أمل السجين بالحرية إذا أذعن لمطالبهم . 

هذا هو غسيل الدماغ الذي يستخدمه كل نظام حاكم، ضد المعارضين الذين لا ينصاغون لسياسية الحاكم، وقد استخدم نظام مبارك الحاكم قبل طردة من سدة الحكم، كل هذه الأنظمة ما ظهر منها وما بطن، وكم أهلك أهل العلم في السجون من بداية حكمة إلي خلعه ومحاكمته شدد الله أسرة مرتين، وفتح عليه أبواب جنهم الثمانية، فاللهم أسكنه وادي الغي، بدلاً من قصر عابدين وقصر العروية، الذي ودعهم المخلوع، مودع هرقل ملك الروم حينما قال سلام عليك ياسورية سلام مودع، ونحن نقول لا سلام عليك ولا وداع؛ واذهب إلي أصدقائك، حيث ينتظرك هناك قوم عاد وثمود وأصحاب الرسّ وبجانبهم أصحاب الأيكة، وفي مقدمتهم الفرعون الوحيد الذي مات غريقاً، طبعاً كلنا نعرفه. هؤلاء هم جيرانك في دار الحق، وخلانك يوم العرض، وندمائك يوم الحشر. 




[1] عقيد ركن / الهادي جميل: مجلة المسلّح الإلكترونية 
[2] الدكتور : عبدالله النجار,فلسطين , طبيب نفسي, المنتدى مكتبة علم النفس العصبى (الحرب النفسية وغسيل الدماغ)

الاثنين، 14 يناير 2013

الباحث المعاصر مصطفي محمود : شخصية اليوم (أحمد سلامة أحمد)

الباحث المعاصر مصطفي محمود : شخصية اليوم (أحمد سلامة أحمد): أحمد سلامة محمد وزير شؤون مجلسي الشعب والشورى من أعلام أسيوط كان وزيراً للحكم المحلي عام 1986م وهو ولد بأسيوط عام 1928 وجصل علي ل...

شخصية اليوم (أحمد سلامة أحمد)

أحمد سلامة محمد
وزير شؤون مجلسي الشعب والشورى من أعلام أسيوط
كان وزيراً للحكم المحلي عام 1986م
وهو ولد بأسيوط عام 1928
وجصل علي ليسانس الحقوق جامعة القاهرة عام 1951
وحصل علي  الدكتوراة من جامعة باريس عام 1957
وعين بكلية الحقوق جامعة عين شمس علم 1951م
وأصبح أستاذاً عام 1957
ثم أصبح نائباً لرئيس الجامعة عام 1986، وفي نفس  العام عين وزيراً للحكم المحلي، ثم أميناً مساعداً للحزب الوطني ومستشاراً قانونياً له.
حصل علي جائزة الدولة عن كتاب (الاحوال الشخصية لغير المسلمين)
وحصل علي وسام الأستحقاق من الطبقة الأولي عام 1970م
وحصل علي جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الإقتصادية والقانونية عام 1972[1]
من مؤلفاته
*المواريث الطبيعية في القانون الفرنسي.


[1] محي الدين الطعمي: الذهب المنقوط في تاريخ أعيان أسيوط, ط الاولي دار المعارف, القاهرة 2008م ص47

السبت، 12 يناير 2013

شخصية اليوم (حسن الحفناوي)

شخصية اليوم (حسن الحفناوي)

بقلم / مصطفي محمود علي
هو زوج السيدة أم كلثوم
من اعلام أسيوط
ولد بأسيوط عام 1915
وكان من رواد الطب في الأمراض الجلدية وله مؤلف ضم اكثر من خمسائة بحث علمي يوزع علي الجامعات والدوائر الطبية في مصر والعالم
أشرف علي أكثر من 150رسالة ماجستير ودكتوراه
حصل علي الثانوية من أسيوط عام 1933م
وحصل علي بكالريوس الطب عام 1943
وحصل علي اادكتوراه عام 1945
وأرسل في بعثة علمية إلي اجلترا لأستكمال دراسته وحصل علي دكتوراه ثانية
اكتشف علاجاً لسرطان الجلد وتثبت من وجود أسباب وراثية للأمراض الجلدية
كان عضواً بالجمعية الأمريكية
تزوج أم كلثوم عام 1954م

الباحث المعاصر مصطفي محمود : عودة العلاقات المصرية السوفيتية بين إرث الماضي وإس...

الباحث المعاصر مصطفي محمود : عودة العلاقات المصرية السوفيتية بين إرث الماضي وإس...: عودة العلاقات المصرية السوفيتية    لقد وجدتني مضطراً هنا لأن أذكر طبيعة العلاقات المصرية السوفيتية في فترة هامة من فترات تاريخنا السيا...

عودة العلاقات المصرية السوفيتية بين إرث الماضي وإستشراف المستقبل

عودة العلاقات المصرية السوفيتية

   لقد وجدتني مضطراً هنا لأن أذكر طبيعة العلاقات المصرية السوفيتية في فترة هامة من فترات تاريخنا السياسي، ولذلك صصمت علي طرح الفكرة لجمهور  القرأ للإطلاع وكان مصدري جريدة السياسة الدولية فالمعول عليها إذا كان هناك أي شئ، وهذا ما لانتوقعه.
 بعد تجمد دام ما يقرب من ثلاث سنوات، استؤنفت العلاقات المصرية السوفيتية مرة أخرى بالإعلان رسميا فى كل من مصر والاتحاد السوفيتى عن تطبيع العلاقات الدبلوماسية واستئناف تبادل السفراء بين البلدين وقد أعلنت وزارة الخارجى المصرية فى بيان رسمى لها  عودة السفيرين لمباشرة عملهما فى عاصمتى الدولتين ويمكن القول بصورة عامة أن المراحل التاريخية التى مرت بها العلاقات المصرية السوفيتية تنقسم إلى مرحلتين كبيرتين تشمل: الأولى: الفترة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى وفاة الرئيس عبد الناصر الثانية: فترة حكم الرئيس السادات ألا أن هاتين الرحلتين تنقسم كل منهما إلى مراحل فرعية أولا: العلاقات المصرية السوفيتية منذ الحرب العالمية حتى وفاة عبد الناصر: عهد ستالين (45-1953م): تم تبادل التمثيل الدبلوماسى بين البلدين لأول مرة عام 1943م ولم تكن العلاقات المصرية السوفيتية قوية فى قترة ما قبل الثورة نظرا للظروف السياسية التى سادت مصر فى ذلك الوقت وإن قامت بعض العلاقات التجارية بين مصر والاتحاد السوفيتى وكانت الاستراتيجية السوفيتية فى ذلك الوقت تقوم على تقسيم العالم معسكرين: معسكر شيوعى ومعسكر معاد للشيوعية ولذلك فقد ساء السوفييت رغبة زعماء العالم الثالث فى عدم الانتماء إلى أى من المعسكرين حتى أنهم وصفوا الجامعة العربية بأنها أداة للاستعمار البريطانى، واعترفوا بدولة إسرائيل عام 1948 بهدف إضعاف مركز بريطانيا فى الشرق الأوسط وحرمانها من القواعد العسكرية الرئيسية ولكن ذلك عموما لم يحسن مركز روسيا بين الدول العربية ومن بينها مصر عهد خروتشوف (53 1964م): تغيرت الاستراتيجية السوفيتية فى عهد خروتشوف، حيث أصبحت القيادة السوفيتية تنظر إلى العالم على أنه ثلاث كتل: كتلة شيوعية، وكتلة رأسمالية، وكتلة ثالثة هى دول العالم الثالث وحاولت القيادة السوفيتية استمالة دول العالم الثالث عن طريق التأييد السياسى والمعونة الاقتصادية والعسكرية حدث هذا فى الوقت الذى نظر جون فوستر دالاس وزير خارجية الولايات المتحدة إلى العالم شأنه فى ذلك شأن ستالين على أنه معسكرين فقط، ولذلك حاول تكوين حلف بغداد ليكون موجها ضد الاتحاد السوفيتى واحتضن نورى السعيد هذا الحلف أما الرئيس عبد الناصر الذى كان يرفض سياسة الأحلاف، فقد بادر بإبرام صفقة الأسلحة التشيكية الشهيرة عام 1955 وعندما رفضت الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة تمويل مشروع السد العالى عن طريق البنك الدولى للإنشاء والتعمير انتقاما لصفقة الأسلحة التشيكية واعتراف مصر بالصين، بادر الاتحاد السوفيتى الذى كان اهتمامه يزداد بالمنطقة إلى المساعدة لإقامة هذا العمل الهندسى الجبار بالقروض والخبراء الفنيين وبعد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956م خطا الاتحاد السوفيتى خطوة أخرى فأظهر اهتماما بالغا بتعويض مصر عما فقدته فى حرب السويس، وبإعطائها عددا من القروض لإعادة تجهيز جيشها ومواصلة بناء السد العالى، ودفع حركة التصنيع، فاشترك السوفييت فى بناء مصنع الحديد والصلب، ومصنع الأدوية ومصنع الألمونيوم حتى بلغ مجموع المصانع بين عامى 58 1974م حوالى (173) مصنعا، وعقدوا مع مصر اتفاقية ثنائية للمعونة الفنية وفى عام 1959 عندما نشبت ثورة الموصل فى العراق اتهم عبد الكريم قاسم الرئيس عبد الناصر بتدبير حركة الموصل فما كان من عبد الناصر إلا أن شن حملة على ما أسماه بالشيوعية العملية وعلى شيوعى العراق وسوريا وفى الحقيقة أنه حتى نهاية عهد خروشوف فى أكتوبر 1964، كان مركز السوفييت فى مصر أبعد من أن يكون الدولة المسيطرة حيث احتفظت مصر بسيطرتها وحريتها فى التصرف فى سياستها الداخلية والخارجية عهد بريجنيف وكوسيجين (64-1970م): ازداد الاهتمام فى عهد بريجنيف وكوسيجين بمنطقة الشرق الأوسط إذ أن القيادة الجديدة قد أولت اهتماما كبيرا لمسألة الوحدة القومية رغبة منها فى إيجاد تحالف بين القوى المناهضة للاستعمار فى الشرق الأوسط تحت قيادة السوفييت ولما كانت معارضة إسرائيل من المسائل التى اتحد بشأنها العرب، فقد حدا ذلك بالسوفييت أن يربطوا ربطا وثيقا بين النضال العربى ضد إسرائيل وبين النضال ضد الاستعمار وبعد هزيمة مصر فى عام 1967م بدأ الروس فى إرسال شحنات الأسلحة لمصر لتعويض خسائرها، وزاد عدد الخبراء السوفييت فى الجيش المصرى لتدريبهم على الأسلحة الجديدة، وفى أثناء حرب الاستنزاف (أواخر عام 1968، عام 1969م) انتقمت إسرائيل بضرب العمق المصرى فلجأ عبد الناصر إلى السوفييت لإقامة شبكة صواريخ من طراز سام1، وسام2 على امتداد الضفة الغربية للقناة وفى عام 1970 قام الرئيس عبد الناصر بزيارتين للاتحاد السوفيتى إحداهما فى شهر يناير والأخرى فى شهر يونيو طلبا للأسلحة ولكن الاتحاد السوفيتى كان قد بدأ يماطل فى إرسال الأسلحة لمصر خوفا من زيادة التورط مع إسرائيل، وبالتالى مع الولايات المتحدة وربما يرجع هذا الموقف السوفيتى إلى ظهور سياسة الوفاق بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى التى كانت قد بدأت فى عهد الرئيس الأمريكى نيسكون وبوفاة عبد الناصر فى سبتمبر 1970 تكون المرحلة الأولى من العلاقات المصرية السوفيتية قد انتهت ويلاحظ على تطور هذه العلاقات إنها كانت مرحلة ازدهار خاصة المرة من عام 1955 وحتى عام 1970 وأولتها بعض الأزمات الطفيفة التى لم تكن لتؤثر على سير هذه العلاقات ثانيا: العلاقات المصرية السوفيتية أثناء حكم السادات: عند وفاة عبد الناصر، اتسم موقف السوفييت بالحرص على الحفاظ علاقاتهم بالقيادة الجديدة ولهذا جاء كوسيجين رئيس الوزراء لتشييع جنازة عبد الناصر مع وفد سوفيتى كبير، وبقى عدة أيام أمضاها فى اجتماعات مع القيادة الجديدة فى مصر برئاسة أنور السادات الذى كان قائما بأعمال رئيس الجمهورية وجاء فى البيان الذى صدر عقب هذه الزيارة التعهد باستمرار التعاون المصرى السوفيتى وفى مايو 1971 عندما أطاح الرئيس السادات بما سمى بمراكز القوى، وكان معروفا عنهم ميلهم تجاه الاتحاد السوفيتى، قام بودجورنى بزيارة لمصر للوقوف على حقيقة الأحداث ولكن السادات أكد له أنها مسالة داخلية بحتة ولا شأن لها بالعلاقات المصرية السوفيتية وأثناء الزيارة وقع بودجورنى معاهدة للصداقة والتعاون مدتها خمسة أعوام وحتى هذا الوقت كان الرئيس السادات بالاتحاد السوفيتى وبمساعدته لمصر والقضية العربية فى الصراع العربى الإسرائيلى ولكن حدثت عدة أحداث، بعدها أخذ منحنى العلاقات فى الهبوط وصل إلى قرار طرد الخبراء الروس فى يوليو 1972م ذلك أن السادات قد أعلن أن عام 1971 هو عام الحسم اعتمادا منه على السلاح الذى كان ينتظره حسب وعود السوفييت له أثناء زيارته لموسكو فى مارس 1971 ولكن عام 1971 انقضى تماما دون وصول الأسلحة إلى مصر بالرغم من سفرة مرة أخرى إلى موسكو فى شهر أكتوبر لطلب الأسلحة وإنقاذ موقفه وجاء قرار طرد الخبراء السوفييت ليمثل نقطة حاسمة فى تدهور العلاقات المصرية السوفيتية ولكن الرئيس السادات وصف قرار الطرد بأنه وقفه موضوعية مع الصديق حفاظا على العلاقة مع الاتحاد السوفيتى وبعد قرار الطرد بعدة شهور أمكن عقد صفقة أسلحة ضرورية مع الاتحاد السوفيتى عندما سافر الفريق أحمد إسماعيل وزير الحربية إلى موسكو فى فبراير 1973 ووردت بالفعل شحنات من هذه الأسلحة ثم تراخى الإرسال انتظارا للقاء بريجنيف ونيكسون فى واشنطن فى مايو 1973م تنفيذا لسياسة الوفاق مما كان سببا لاعتذار السادات عن الموافقة على الزيارة التى كان الرئيس السوفييتى بودجورنى يعتزم بها للقاهرة فى نفس الشهر أثناء حرب أكتوبر عام 1976م: عندما بدأت حرب أكتوبر 1973م كان السادات والأسد قد اعلما الاتحاد السوفيتى بهذا الموقف مسبقا فى 3، 4 أكتوبر فلم تكن الحرب مفاجأة له وقد كانت الأسلحة التى حاربت بها مصر وسوريا من الاتحاد السوفيتى ولكن مع بداية عام 1974 بدأ التقارب المصرى الأمريكى ففى يناير تم التوقيع على الاتفاقية الأولى لفك الاشتباك بين القوات المصرية والإسرائيلية فى سيناء تحت إشراف الأمم المتحدة، وكان ذلك بفضل جهود هنرى كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة وفى فبراير 1974 أعيدت العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن والقاهرة بعد أن ظلت مقطوعة منذ عام 1967 وفى يونيو قرر نيكسون زيارة القاهرة والإسكندرية وكان التقارب المصرى الأمريكى سببا فى توتر العلاقات المصرية السوفيتية وقد رأى السادات أن الاتحاد السوفيتى يفضل دمشق عليه وأنها تتبع حياله سياسة الشح والتقتير فى إرسال الأسلحة حيث أن الأسلحة التى وردت له كانت هى الأسلحة المتفق عليها عام 1969 أبان حكم عبد الناصر وقد ازداد التوتر فى العلاقات المصرية السوفيتية بعد زيارة كيسنجر للمنطقة فى فبراير ومارس 1975م للتمهيد لفك الاشتباك الثانى وبعد زيارة كيسنجر أيضا للمنطقة بعد التوقيع على اتفاقية فك الاشتباك الثانى سبتمبر 1975 أعلن الاتحاد السوفيتى عدم موافقته على الاتفاقية، وأنه لن يحضر التوقيع فى جنيف على البروتوكولات التفصيلية لهذه الاتفاقية كما أعلن حزب البعث الحاكم فى العراق وسوريا وكذلك منظمات المقاومة الفلسطينية معارضتهم الشديدة للاتفاقية واتهم السادات السوفييت بأنهم وراء تلك الحركات العدائية ضد مصر وأن عداءه الساخر لمصر الذى بدأ نهاية حكم عبد الناصر سببه رفض مصر للتبعية السوفيتية وتمسكها باستقلالها فى اتخاذ القرارات من واقع إرادتها الحرة وصالح الأمة العربية (خطاب الرئيس فى 5 سبتمبر 1975م) نتيجة لهذه الأزمات المتتالية رفض السوفييت تعويض مصر عن خسائرها من الطائرات والدبابات وغيرها فى حرب أكتوبر كما رفضوا أيضا طلب مصر المتكرر بشأن إعادة جدولة الديون السوفيتية ولاسيما العسكرية التى أصبحت تنقل كاهل الخزانة المصرية بدعوى أن طلب مصر بتأجيل سداد فوائد الديون يعتبر نوعا من التحكم وفرض الشروط عليهم وفى 14 مارس 1976م كتبت صحيفة الجمهورية أن الاتحاد السوفيتى قد اجل توقيع بروتوكول التجارة لعام 1976 بالرغم من أن مصر قد جهزت للتوقيع تأزم العلاقات السوفيتية المصرية: سارت العلاقات المصرية من سيئ إلى أسوأ عندما أعلن الرئيس السادات فى خطاب أمام مجلس الشعب المصرى فى 14 مارس 1976 إلغاء معاهدة الصداقة المصرية السوفيتية الموقعة فى 1971/5/27 من جانب واحد وفى شرح قراره قال أن معاهدة وصلت إلى حالة تأزم منذ أن رفض الاتحاد السوفيتى إمداد مصر بالسلاح وعدم قبول تأجيل الديون ومن ناحية أخرى وطد السوفييت علاقتهم مع الدول الأخرى فى الشرق الأوسط خاصة سوريا والعراق وليبيا والجزائر واليمن الجنوبية، وحاول كوسيجن تشكيل جبهة متحدة من هذه الدول وبالرغم من تعطل هذه الجهود بسبب تدخل سوريا فى لبنان استمر السوفييت فى محاولاتهم ونظرا لإدراك أهمية دور مصر فى المنطقة أرسلوا رسالتين إلى وزير الخارجية المصرى إسماعيل فهمى للبحث عن تدخل مصرى لحل مشكلة لبنان إذ أن السوفييت كانوا مازالوا يحاولون إيجاد حل لانسحاب السوريين من لبنان، ولكن هذه الاتصالات قد توقفت نتيجة وقوف السوفييت بجانب ليبيا فى نزاعها ضد مصر فى أغسطس 1976م وفى 15 أكتوبر تم الاتفاق فى الرياض على وقف إطلاق النار فى لبنان وصالح المؤتمر ما بين مصر وسوريا، وطالب بعقد مؤتمر بين أعضاء الجامعة العربية فى القاهرى لتمويل ومساعدة قوات حفظ السلام وقد رحب بريجنيف باتفاق الرياض فى خطاب له أمام جلسة اللجنة المركزية فى أكتوبر ومن ناحية أخرى دعا السوفييت إسماعيل فهمى لمقابلة جروميكو فى صوفيا بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية فى نوفمبر وقد وافق السادات ربما لعدم تأكده من المواجهة التى ستتخذها الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الشرق الأوسط ولم تكن المحادثات ناجحة حيث لم يوافق جروميكو إلا على إرسال 50 طائرة ميج 21 إلى مصر من حوالى 173 طائرة كانت قد أرسلت سابقا إلى الاتحاد السوفيتى للإصلاح وفى المحادثات الثنائية كان التقدم بسيطا وكانت النتيجة الإيجابية الوحيدة هى الدعوة إلى عقد مؤتمر جنيف وهو التعهد الذى تم تأكيده مرة أخرى بين مصر وسوريا بعد شهر عندما اتفق قادة البلدين فى القاهرة على أن مؤتمر سوف يبدأ فى مارس 1977 بمشاركة جميع الأطراف بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية استمر التدهور فى العلاقات المصرية السوفيتية إذ بعد حدوث أحداث 17، 18 يناير 1977 فى مصر حمل السادات الشيوعيين المصريين المدعومين بواسطة ليبيا والسوفييت أسبابها، وقد أثار اعتراض السوفييت وقاموا بتأجيل التوقيع على بروتوكول التجارة لعام 1977 وبعد زيارة ستينكو رئيس قسم الشرق الأوسط فى وزارة الخارجية السوفيتية إلى الشرق الأوسط، حدث تقدم طفيف بخصوص عقد مؤتمر جنيف، وقد صفت الزيارة بأنها مفيدة وعلق المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية بأنه قد ظهرت اتجاهات مشتركة وقريبة بالنسبة لجنيف، ولكن سرعان ما ظهر الخلاف مرة أخرى نتيجة لنشر الرئيس السادات لمذكراته التى تناول فيها السلوك السوفيتى السابق فى مصر وخلال عام 1977م استمرت المحاولات من جانب القوتين العظميين لإيجاد خل للصراع العربى الإسرائيلى، تلك المجهودات التى فشلت إما بسبب الخلاف بين الأطراف المعنية، وإما بسبب الخلاف بين الدول العربية وإما بسبب سوء العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتى، حيث أرسل السوفييت رسائل إلى قادة الدول العربية تتهم فيها مصر بإثارة نزع مسلح مع ليبيا وبالرغم من الغضب الذى أثيرت فى مصر من جراء هذه المسألة فقد قبلت الدعوة السوفيتية لمحادثات بين إسماعيل فهمى وجروميكو فى الفترة 8-11 يونيو 77 اعترف البيان النهائى بوجود خلافات فى العلاقات المصرية السوفيتية ولكن البيان أقر بأن المحادثات قد وضعت طرقا ممكنة لتقوية أسس العلاقات السياسية المناسبة بين البلدين، ولكن النزاع على الحدود بين مصر وليبيا فى الفترة من 21-24 يوليو سنة 1977 منع تحسن العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتى وقد منعت مصر القطن من السوفييت فى أغسطس وسحبت جميع الطلبة والعسكريين من الاتحاد السوفيتى، وأوقفت موسكو الزيارة التى كان من المقرر أن يقوم بها جروميكو للقاهرة فى سبتمبر وفى 26 أكتوبر سنة 1977 أعلن السادات أن تسديد الديون السوفيتية على مصر سوف يتوقف لمدة عشر سنوات تبدأ فى يناير 1978 وهكذا وصلت العلاقات المصرية السوفيتية إلى حالة توقف تام وهى الظروف التى سادت عام 1978 وفى ظلها اتخذ السادات فراره بالسفر إلى القدس فى الفترة من 19-21 نوفمبر 1978 وهى المرحلة التى قوبلت بالإدانة من معظم الدول العربية والاتحاد السوفيتى الذى حث جميع القوى التقدمية لتشكيل جبهة متحدة ضد المعتدين وضد الذين يرغبون فى المساومة معه وقد قطعت مصر علاقاتها الدبلوماسية مع كل من ليبيا وسوريا والجزائر واليمن الجنوبية والعراق فى 5 ديسمبر 1978 وبعدها بيومين أغلقت مصر المركز الثقافى السوفيتى فى القاهرة والقنصليات السوفيتية فى الإسكندرية وبور سعيد وأسوان وقد اصطبغت العلاقات المصرية السوفيتية بعد مبادرة السادات بالاتهامات المتبادلة وقد استمرت هذه الصبغة بعد توقيع اتفاقيات كامب دافيد وفى سبتمبر عام 1981 طلب السادات من أعضاء البعثة الدبلوماسية السوفيتية مغادرة مصر بعد اتهامهم بتدبير مؤامرة شيوعية فى مصر ضده وهكذا تكون العلاقات السياسية بعد البلدين قد وصلت إلى حالة تجمد ويكن الآن إبراز الملاحظات التالية بعد هذا العرض التاريخى:
1- أن العلاقات المصرية السوفيتية جزء من كل هو العلاقات بين الاتحاد السوفيتى والدول العربية، وقد كان تأثير الظروف السائدة فى المنطقة العربية على العلاقات الثنائية واضحا فى المراحل المختلفة بغض النظر عما إذا هذا التأثير سلبا أو إيجابيا فأحداث العراق عام 1959 قد أحدثت أزمة فى العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتى، على عكس أحداث لبنان عام 1976 قد ساعدت على تحسن وقتى فى العلاقة كما سبق ذكره
2- أن الاتحاد السوفيتى كان دائما يقدر أهمية تواجده فى منطقة الشرق الأوسط عموما وفى مصر على وجه الخصوص ولذلك نجده يحرص على وجود شعرة معاوية بينه وبين مصر حتى فى الفترات التى وصلت العلاقة بينهما إلى حد الأزمة
3- أنه لا يمكن أن ننكر للاتحاد السوفيتى مساعدته لمصر فى بناء السد العالى والصمود بعد هزيمة يونيو، ثم إحراز النصر عام 1973م، فقد كان حائط الصواريخ مسام1، 2، 3 عاملا فعالا فى شل حركة الطيران الإسرائيلى كما أن الصواريخ المتطورة أرض أرض سهلة الحمل هى التى مكنت سلاح المشاة المصرى من التصدى للدبابات الإسرائيلية وتدميرها أثناء الحرب
4- أنه ليس من مصلحة أن تقطع علاقاتها بإحدى الدولتين العظميين ويمكن تحليل عودة العلاقات المصرية السوفيتية من منطلقين: توجيهات السياسة الخارجية المصرية الوضاع السائدة فى المنطقة العربية
أولا: توجيهات السياسة الخارجية فى عهد الرئيس مبارك (1) أن الرئيس مبارك يحرص على أن تنتهج مصر سياسة متوازنة، فهو حريص على إعادة العلاقات إلى طبيعتها السابقة مع الاتحاد السوفيتى بحيث لا تسبب هذه الخطورة أى ضرر بمصالح أى فريق ثالث وقد أعلن الرئيس مبارك أنه: لا توجد مشاكل وفى وجه تطبيع العلاقات مع الدولة العظمى السوفيتية وأن علاقات نصر الوثيقة مع الاتحاد السوفيتى لا تتناقض مع علاقات طبيعية مع الولايات المتحدة
(2) أن الرئيس مبارك يواصل منذ تولى السلطة سياسة السلام وإزالة التوتر وتنقية الجو فى العالم العربى فمصر قد حذرت من الأوضاع فى لبنان، وتشعر الآن بخطورة حرب الخليج، ووقفت بجانب العراق عندما شعرت أن هناك خطرا يتهدد سلامة أراضيه، وفى نفس الوقت حرصت على التسوية الشاملة المنشودة لهذه الحرب فقام الرئيس مبارك بمبادرته لوقف القتال وتحقيق السلام، وينتهج الآن نمط الدبلوماسية الهادئة مع دول عدم الانحياز للوصول إلى حل للمشكلة العراقية الإيرانية وبعبارة أخرى فإن خيارات السياسة الخارجية المصرية تشمل الاهتمام بالتطورات الإقليمية والدولية معا، وهكذا تأتى عودة العلاقات السوفيتية لتدعم الدور المصرى إقليميا وعالميا (3) أن الرئيس مبارك يعطى اهتماما متزايد للعلاقات مع دول عدم الانحياز والدول الإسلامية ومنطقة الوحدة الإفريقية ويأتى التحرك المصرى ليعطى هذه المجموعة دفعة قوى يعيد لها دورها الكبير وقد أعلن الدكتور أسامة الباز: أن هذا التطبيع يدخل فى إطار سياسة عدم الانحياز وإقامة علاقات طيبه بين مصر وجميع الدول المستقلة بغض النظر عن معتقداتهم الأيديولوجية
(4) وقد لخص الدكتور عصمت عبد المجيد وزير الخارجية عودة العلاقات المصرية السوفيتية فى قوله أن هذا إجراء طبيعى وهو فى تقديرى لا يتعدى عودة الأمور إلى وضعه الطبيعى
ثانيا: الأوضاع السياسية فى المنطقة العربية شهدت الدبلوماسية السوفيتية فى المنطقة العربية نجاحا ملحوظا فى الآونة الأخيرة ويتفق المعلقون على أن نجاح السياسة السوفيتية فى المنطقة يعزى إلى فشل السياسة الأمريكية وبالرغم من أن المسئولين السوفييت يرفضون هذه المقولة إذ يقول كارين بروتنتس خبير شئون الشرق الأوسط فى اللجنة المركزية للحزب الشيوعى والذى زار كلا من سوريا والعراق ولبنان فى شهر أبريل الماضى: نحن لا نوافق على النظرية القائلة أن كل فشل أمريكى يخلق فراغا يجب علينا أن نبادر إلى سده إلا أن حيدار علييف كان حريصا على أن يبين فى زيارته لسوريا أن إلغاء الاتفاق اللبنانى الإسرائيلى الذى عقد تحت إشراف الولايات المتحدة دليل على أن الجهاز السياسى العسكرى الخاص بالولايات المتحدة مصاب بخلل وفى الحقيقة فإن السياسة الأمريكية فى المنطقة كانت سلسلة من الفشل سواء فى حل الصراع العربى الإسرائيلى أو فى لبنان أو فى الحرب العراقية الإيرانية وأن الخليج فبالنسبة للصراع العربى الإسرائيلى: تعتبر الولايات المتحدة أن إسرائيل هى الحليف الاستراتيجى الأول فى المنطقة ويؤكد الرئيس ريجان ذلك من أن لأخر بدءا من تكثيف الزيارات المتبادلة بين المسئولين فى البلدين، وتوطيد التعاون بينهما عن طريق الاتفاق الاستراتيجى، وحرصت الولايات المتحدة على دعم ممارسات إسرائيل أو الاكتفاء بتأنيبها على وجه غير حاسم، واستخدام حق الفيتو ضد أى إدانة لإسرائيل فى مجلس الأمن وتوقيع العقوبات عليها سواء أثناء غزوها للبنان فى يوليو 1981م، ويوليو 1982 أو أثر بناء المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية وصولا إلى رفض واشنطن بيع صواريخ ستيجر للأردن أو السعودية والجدل الدائر الآن حول نقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس وقد بدأت الدول العربية تدرك أن أمريكا أما أن تكون عاجزة عن ممارسة أى ضغط على إسرائيل من أجل الوصول إلى حل عادل للمشكلة الفلسطينية وإما أن تكون غير راغبة فى ذلك وحيث أن موسكو لا نفوذ لها البتة لدى إسرائيل فإنها لن تستطيع أن تسد الفراغ الناشئ عن السياسة الأمريكية، غير أنها وقفت دائما موقف التأييد للقضية الفلسطينية، وكانت دائما مستعدة لتسليح دول المواجهة العربية بالإضافة إلى ضغط السوفييت على سوريا فى الفترة الأخيرة لكى تكف عن تأييد المتمردين فى حركة فتح المطالبين بتنحية ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير بل أن زيارة حيدار علييف عضو المكتب السياسى السوفيتى للعاصمة السورية فى شهر مارس الماضى كانت من اجل ذلك الهدف أن البيان الذى صدر عقب الزيارة أكد ضرورة المحافظة على وحدة منظمة التحرير الفلسطينية والتغلب على الخلافات التى نشأت داخل المنطقة وبالنسبة للوضع فى منطقة الخليج: استنكرت روسيا الحرب فى البداية ووصفتها بأنها عبث وبعيدة عن الحكمة واعتبرت العراق معتدية، وأيدت إيران تأييدا شفويا، إلا أنه منذ أواخر العام الماضى بدأت الأسلحة وقطع الغيار السوفيتية تتدفق على العراق وبعد توقف دام لفترة قصيرة منذ بداية الحرب بعد زيارة طارق عزيز وزير الخارجية العراقى لموسكو فى نوفمبر 1983م واتفق تيخونوف وطه ياسين رمضان النائب الأول لرئيس الوزراء العراقى الذى كان يقوم بزيارة لموسكو فى أبريل 1984 على تعميق وتوثيق التعاون فى المجالات الاقتصادية والفنية والتجارية وفى مجالات أخرى تلميحا للتعاون العسكرى وأصبحت العلاقة بين موسكو وبغداد الآن أفضل مما عليه فى أى وقت أخر خلال السنوات القليلة الماضية ويرجع المحللون سياسة موسكو الجديدة تجاه العراق إلى تدهور العلاقات السوفيتية الإيرانية أكثر من حدوث تغيير فى تحليل نظام الحكم فى بغداد فقد حاول السوفييت عبثا كسب إيران إلى جانبهم وبالرغم من انهم فى عهد الشاه استطاعوا أن يقيموا بينهم وبينه نوعا من العلاقة العملية فإنه تبين أن من المستحيل أن يصلوا إلى نوع من التفاهم مع الخمينى وكان تنفيذ حكم الإعدام فى أوائل هذا العام فى بعض أعضاء حزب توده الشيوعى بمثابة القشة التى قسمت ظهر البعير فالتقارب العراقى السوفيتى كان نوعا من الضغط على الخمينى ليحسن سلوكه فموسكو على حد قول أحد المحللين لم تكن تبدأ فى إرسال الأسلحة إلى العراق إلا بعد أن جربت كل وسيلة أخرى مع إيران ولكن أيا كانت الأسباب للتقارب السوفيتى العراقى فإن سياسة الولايات المتحدة المترددة بالنسبة لأمن الدول الخليجية، وعدم الضغط على إيران خوفا من اتجاهها لموسكو، فقد زاد هذا الموقف المتردد من جانب الولايات المتحدة من استياء الدول الخليجية ففى كلمة ألقاها فى نادى الصحافة فى واشنطن فى شهر أبريل الماضى قال الأمير بندر بن سلطان سفير السعودية لدى الولايات المتحدة نحن مصممون على الدفاع عن أنفسنا، وسنحصل على هذه الأسلحة يقصد صواريخ ستينجر من أى مكان وبعد ذلك بيومين أقام مأدبة عشاء للسفير السوفيتى أناتولى دوبرينين عميد رجال السلك السياسى الأجنبى فى واشنطن وفى اليوم التالى علقت صحيفة الرأى العام الكويتية بقولها: أن مأدبة العشاء هذه يجب أن تجعل الولايات المتحدة تدرك أن احتضانها الكامل لإسرائيل سيكلفها الشىء الكثير نظرا لأن إسرائيل قد ضغطت على الولايات المتحدة بعدم إرسال صواريخ ستينجر إلى السعودية خوفا من تسربها إلى رجال المقاومة الفلسطينية كما ذهبت صحيفة الوطن الكويتية إلى أبعد من ذلك، فدعت السعودية إلى تعزيز علاقاتها مع موسكو بقولها: أن العلاقات القوية بين السعودية والاتحاد السوفيتى ستكون فى صالح القضية العربية عامة وفى صالح منطقة الخليج بصفة خاصة وقد بادرت وكالة أنباء السعودية إلى التهديد من شأن الشائعات التى تؤكد أن الرياض توشك أن تقيم علاقة دبلوماسية مع موسكو وقال أنه يجب أن لا نعلق على تلك المأدبة أى أهمية خاصة أما المراقبون الذين يلزمون جانب الحذر فيقولون أن هذه الشائعات تطفوا إلى السطح كلى توترت العلاقة بين الرياض وواشنطن بصورة غير مألوفة والحقيقة أن هذه الأحداث لا تعنى فى مجملها إنشاء علاقة دبلوماسية بين موسكو والرياض على الفور، ولكن الضغط المستمر من جانب الكويت ثم من جانب الأردن يمكن أن يأتى ثماره خاصة وأن الكويت تقيم علاقات دبلوماسية بينها وبين الاتحاد السوفيتى وتشهد العلاقات بينهما تحسنا كبيرا خاصة بعد زيارة الشيخ سالم الصباح وزير الدفاع الكويتى لموسكو وإبرام صفقة أسلحة سوفيتية لصالح الكويت والتى وصفتها صحيفة الوطن الكويتية بأنها صفقة نهائية ومن ناحية أخرى فقد دأب الملك حسين فى الآونة الأخيرة على توجيه النقد للسياسة الأمريكية فى المنطقة خاصة وأن الولايات المتحدة قد رفضت إمداد الأردن بصواريخ ستينجر وبالنسبة للبنان: فإن فشل السياسة الأمريكية كان واضحا بعدم القدرة على الضغط على إسرائيل بالانسحاب منها، ثم سحب الولايات المتحدة لقوات مشاة البحرية التابعة لها (المارينز) من لبنان ولاشك أن هذا الفشل قد أوضح أهمية الدور السوفيتى فى التوصل لحل مشكلة لبنان وقد لخص الملك حسين يوم 9/7 فى خطاب ألقاه فى مأدبة العشاء التى أقيمت بمناسبة زيارة الرئيس فرانسوا ميتران للأردن الوضع فى المنطقة العربية بقوله: (أن فرص التسوية اللازمة التى استمرت 36 عاما تبدو اليوم أقل من أى وقت مضى، ولم تصل المنطقة إلى مثل هذه المرحلة الخطرة من قبل، ففى طرقها الشرقى هناك حرب مدمرة بين إيران والعراق وعلى وشك الانتشار إلى الدول الأخرى داخل وخارج المنطقة كما أن الموقف متفجر بنفس الدرجة فى الجهة الغربية من الشرق الأوسط، فإسرائيل تحتل لبنان منذ سنتين وتمارس سيطرتها فى مرتفعات الجولان السورية وفى المناطق التى تحتلها فى الضفة الغربية وفى هذا الإطار وجه اللوم إلى إسرائيل بسبب سياستها التوسعية وسبب المساعدات المادية والسياسية التى تتلقاها من دولة عظمى معنية على حد قوله وأشار إلى الفشل الخير لجهود السلام الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط بقوله إننا تعلمنا درسا بعد فشل جهود السلام وهى أنه ليس من الممكن السماح لدولة بتقديم مبادرات بمفردها ، واقترح عودة الأمم المتحدة لتقديم المساعدات فى عقد مؤتمر لتحقيق السلام فى الشرق الأوسط وهكذا تأتى عودة العلاقات المصرية السوفيتية استجابة لتوجهات السياسة الخارجية المصرية التى تسعى إلى إعادة التوازن فى علاقات مصر بالدول الأخرى دون المساس بمصالح أى دولة، وفى ظل مناخ سياسى عربى يتميز بنجاح السياسة السوفيتية
المصدر:
 السياسة الدولية: فتحي حسني عطوة