الأربعاء، 5 يونيو 2013


الداعية الموهوب يقتحم القلوب
صاحب الدعوة الذهبية ومحي علوم الدين
إمام الدعاة المفسر المحبوب الأقرب للجمهور

بقلم الباحث/ مصطفي محمود علي

    تجمعت القلوب حوله، وأحاطته بمشاعر الحب والتقدير، فتراهم يرقبون ظهوره على شاشات التلفزيون، أو خلف أجهزة المذياع، ليستمعوا إلى تفسيره لآيات الذكر الحكيم، ويستمتعوا بما يجود الله به عليه من خواطر قرآنية, بأسلوب بديع, لا فيه تكلف النحاة ولا سجع الشعراء ولا عامية اللغة التي تدهورت بفعل العولمة, اندمج كل هذا في اسلوب واحد, لا نجد له تعريف في اللغة إلا إسلوب يسمى باسمه, إنه الشيخ  محمد متولي الشعراوي
الداعية الموهوب
   لم يكن الشيخ الشعراوي مجرد مفسر للقرآن الكريم فحسب، بل نشط أيضاً في مجال الدعوة إلى الله، وأبلى في هذا الجانب بلاًءً حسناً، وشد الِرّحال داعياً إلى الله على بصيرة، وكأنه يحاكى السلف الصالح في نشاطاتهم الدعوية إلى الله, من صبر وحزم, ولين وشدة, وهوادة ومثابرة, ولعلني أجدة آخذاً من بعض, من صفات عمر بن الخطاب رضي الله عنة- خليفة رسول الله الثاني- حينما دُعي لإلقاء كلمة في حفل تنصيب الرئيس حسنى مبارك وهو الرئيس المخلوع الآن منذ11فباير2011, وقال كلمته الشهيرة: "إذا كنا قدّرك أعانك الله علينا وإذا كنت قدرنا أعاننا الله عليك"
    قال هذا الداعية كلمة حق, تقال عند سلطان أو رئيس, في بداية حكمه, لا يخاف إلا الله, وقلما وجد مثل هؤلاء الرجال, وتمر الأيام والأعوام بل والعقود لنرى عجائب الله في الظالمين ولتقع أذننا على كلمات الشعراوي وكأنه يستشف الحجب, ويحاكى الفاروق عندما قال من المدينة: يا سارية الجبل الجبل...!
   كان رحمه الله خير داع للإسلام, ومن الصعب أن يصل داعية إلى هذا المنهج الذي يتبعه الشيخ في تبليغ دعوته..!, من السلاسة والوضوح في المعاني العميقة لكلمات القرآن, حتى يفهما العامي الذي لم يقرأ أو يكتب, بمجرد جلسة واحدة أمام هذا الداعية المٌجدد, أو حتى بمجرد سماعة في وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها, ورغم هذا كله لا يعترف بأنة يفسر القران وإنما قال: "هذه خواطري، وحصيلة جهادي الاجتهادي، شرفي فيه أني عشت كتاب الله، وتضامنت لاستقبال فيض الله..."
سفير للإسلام في كل مكان وطأته قدماه, ومن الدول التي قصدها الشيخ داعياً إلى الله علي بصيرة، العديد من الدول الأوربية، وأمريكا، واليابان، وتركيا، وأغلب الدول الإسلامية، حيث دعا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبلّغ رسالة الإسلام خير بلاغ، واستمر على ذلك حتى أتاه الله اليقين. فكان بحق من خير الدعاة إلى الله في هذا العصر .
    ويقول عنة المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ محمد عبد الشافي القوصي :"انه من أعظم الدعاة ومهما نتكلم عنة لا نوافيه حقه فأسلوبه البسيط البليغ في التفسير والدعوة جعله يصل إلى اقل المستويات العلمية في تفسير أعظم معاني الكلمات."
أما الدكتور محمد عمارة فيقول ": الشعراوي قدَّم لدينه ولأمته الإسلامية والإنسانية كلها أعمالاً طيبة، تجعله قدوة لغيره في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة" .
ناهيك عن المستشرقين الذين يشيدون بروعة أسلوبه وأدائه وقربه من العوام بل والناس علي اختلاف مستوياتهم.
المفسر الموهوب
   انخرط الشيخ الشعراوي في محاولة لتفسير القرآن، وأوقف حياته على هذه المهمة؛ ولأنه ضليع في اللغة العربية كان اقتراب اللغوي من التفسير آية من آيات الله .فأول مزية للشيخ الشعراوي نلمحها في منهجه التفسيري، أن تفسير القرآن على لسانه يبدو جديداً فريداً . أما المزية الثانية، فهي أن الشيخ - رحمه الله - رُزق موهبة نقل الأفكار بأبسط الكلمات، وأرشق الأساليب، وقلما اجتمع هذا لأحد ممن توجهوا لتفسير القرآن مباشرة .
   وقد أحس كل من تابع تفسير الشيخ للقرآن الكريم عبر وسائل الأعلام، أو في المجالس المخصصة لذلك، بأن الله يفتح عليه وهو يتحدث، ويلهمه معاني وأفكاراً جديدة.  فكان تفسير الشيخ الشعراوي للقرآن جديداً ومعاصراً، يفهمه العوام، ويلبي حاجات الخواص، وكانت موهبته في الشرح لآيات القرآن، وبيان معانيه قادرة على نقل أعمق الأفكار، بأسلوب سلس مُشوق جذاب، يكاد يأخذ بلباب العقول، ويدخل القلوب بغير استئذان، وإني لأقسم بالله غير حانث كم من ناس ينتظرون أن يأتي برنامج الشيخ الشعراوي في وسائل الإعلام المختلفة حتي إذا جاء صمت الجميع يسمعون ما يُريح قلوبهم ويطرب أسماعهم.
   وقد وصف الشيخ الشعراوي جهده الذي بذله في تفسير القرآن بأنه "فضل جود، لا بذل جهود" ومما قاله بهذا الصدد " :فهذا حصاد عمري العلمي، وحصيلة جهادي الاجتهادي، شرفي فيه أني عشت كتاب الله، وتضامنت لاستقبال فيض الله، ولعلي أكون قد وفيت حق إيماني، وأديت واجب عرفاني، وأسأل الله سبحانه أن تكون خواطري مفتاح خواطر من يأتي بعدي" .
   والملفت للانتباه؛ أن الشيخ الشعراوي لم يعتبر جهده الذي بذله في توضيح وبيان آيات القرآن الكريم تفسيراً له، بل - بحسب رأي الشعراوي نفسه - جملة خواطر ليس إلا، يقول في بيان هذا المعنى: "خواطري حول القرآن لا تعني تفسيراً للقرآن، وإنما هي هبات صفائية، تخطر على قلب مؤمن في آية أو بضع آيات، ولو كان القرآن من الممكن أن يفسر لكان الرسول صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتفسيره.لأنه عليه نزل وبه انفعل وله بلغ وبه عَلّمْ وعمل. وله ظهرت معجزاته. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتفى بأن يبين للناس على قدر حاجتهم من العبادة التي تبين لهم أحكام التكليف في القرآن الكريم، وهي " افعل ولا تفعل"
   وشيء آخر يستوقف المُتابع لتفسير الشيخ الشعراوي وهو تعريفه للقرآن الكريم، حيث إن للشيخ تعريفاً للقرآن، يغاير بعض الشيء التعريف المشهور للعلماء، فهو يعرف القرآن بأنه: "ابتداء من قوله تعالى: "بسم الله الرحمن الرحيم", إلى أن نصل إلى قوله "من الجنة والناس" على أن نستعين بالله من الشيطان الرجيم، قبل أن نقرأ أي آية من القرآن.
وعلى الجملة، فقد وُفِّق الشيخ الشعراوي في تعامله مع النص القرآني شرحاً وتبياناً ما لم يوفق الكثير إليه، ونفع الله به خلقاً كثيراً .  
واعتمد في تفسيره على عدة عناصر من أهمها:
-اللغة كمنطلق لفهم النص القرآني
-محاولة الكشف عن فصاحة القرآن وسر نظمه
-الإصلاح الاجتماعي
-رد شبهات المستشرقين
-يذكر أحيانا تجاربه الشخصية من واقع الحياة
-المزاوجة بين العمق والبساطة وذلك من خلال اللهجة المصرية الدارجة
-ضرب المثل وحسن تصويره
-الاستطراد الموضوعي
-النفس الصوفي

هذا ما كان لايعدوا سطوراً قليلة في بحر الإمام الزاخر بالعلم، وإنا لننتظر مئات السنين حتي يأتي إلينا القدر برجل في علم وخلق وفكر الإمام الكبير محمد متولي الشعراوي رحمه الله.