الأربعاء، 16 يناير 2013

غسيل الدماغ أيام مبارك

                  غسيل الدماغ أيام مبارك

                                الكاتب /مصطفي محمود علي 

باحث في التاريخ الحديث والمعاصر جامعة القاهرة
mostafamahmmoud_28@yahoo.com
                  غسيل الدماغ أيام مبارك
    لاشك إننا ألان بصدد عمليات غسيل للمخ عمت كل أرجاء البلاد وخاصة منذ اندلاع ثورة 25يناير, لذا فأرجوا أن تنتبهوا جيداً إلي أن هناك عدوا لا يظهر في ثوب المحارب بقدر ما يظهر أثرة على فكر الأمة, رجالها ونسائها, شبابها وشيوخها, مسلميها ومسيحيّوها, وعلي كل حال لابد وأن نلقي نظرة علي معني غسيل الدماغ وكيف يستخدمه العدو وأساليبه سائلين المولي أن يجنبنا هذا الأسلوب بعدما أذقنا مرارته في حكومة اللامبارك شدد الله أسرة وأهلكه كما أهلك عادً وثمود....
مفهوم غسيل الدماغ ( Brain washing)
     ليس غسيل المخ بجديد فقد عرفت الأمم في بعض أطوار تاريخها نوعاً من فرض المذاهب والعقائد على مواطنيها .ومصطلح غسيل المخ هو ترجمة للكلمة الصينية- ( Hesi Nao  ) هي سي ناو- ، والتي معناها ( إصلاح الفكر) .
  و أثناء الحرب الكورية في منتصف القرن الماضي رجع بعض الأسرى الأمريكيين إلى بلادهم وهم مؤمنين بالاشتراكية داعيين إلى المحبة و السلام ناقمين على حكومتهم الاستعمارية مبدين إعجابهم من معاملة الكوريين الشماليين لهم, نتيجة لعملية غسيل المخ التي مورست عليهم أثناء أسّرِهم.
   وفي عصر اللامبارك رأينا مشاهد يُندي لها الجبين من عمليات الاعتقال وغسيل الدماغ بدعوي الإرهاب، واستند في ذلك إلي قانون الطوارئ الذي به غلق كل فم كان مطالباً بالحرية، وبه قامت الثورة لإلغائه بل و الثورة علي كل شئ، ما أقبح رئيساً يُحارب الحرية ويدعي أنه من أنصارها. 
     وغسيل المخ هو نوع من التعامل النفسي يدور حول الشخصية الفردية, بمعنى قتل الشخصية  إلى حد التمزق, بحيث يصبح من الممكن التلاعب بها وإعادة تشكيلها وفقا لإرادة 
خبير غسيل المخ ,كما يقول الدكتور أحمد بدر.
     فمفهوم غسيل الدماغ إذن, هو عملية منظمة يستخدمها العدو لخلق النقيض النفسي, والعقلي, وتفعليه عند السجناء والمعتقلين, وذلك بهدف تحويل اهتماماتهم الوطنية والدينية إلى دنيوية، خصوصا عندما يُقارن المعتقل نفسه بالآخرين فيصاب بالغصة, إذا لم يكن الندم في مرحلة متقدمة.


بداية الاستخدام
   وبدا استخدام هذا المفهوم منذ عام 1951 والذي اخذ من عملية تنظيف الدماغ والتي استخدمها الصينيون لتخليص الأفراد من معتقداتهم القديمة، ليتمكنوا من التعايش بسلام في ظل النظام الشيوعي ، ثم أصبح اصطلاح فيما بعد يستخدم ليدل على المحاولات المختلفة التي تبذل لتغيير آراء السجناء وتطلعاتهم سواء كان من أسرى الحرب أو المدنيين، ويجب أن نميز بين أسلوب غسيل الدماغ وباقي أساليب الحرب النفسية، مثل الدعاية، والإشاعات، ومحاولات الإقناع... مما يؤدي إلى تعديل أو تغيير أفكار الفرد أو معتقداته أو سلوكياته... حيث أن أسلوب غسيل المخ هو أسلوب فردي تُوجه فيه الجهود إلى فرد واحد مُحدد، بينما الأساليب الأخرى في الحرب النفسية غالبا ما تُوجه إلى الجماعة، ويعتبر غسيل المخ من العمليات القسرية أو الإجبارية لإكراه الأفراد من أجل تعديل أفكارهم أو معتقداتهم والتحول عنها.
مراحل غسيل الدماغ(المخ)
   وتهدف عميلة غسيل المخ إلى تحويل الفرد الأسير عن أفكاره واتجاهاته الوطنية وقيمه وأنماط سلوكياته أو كبت معتقداته، أو الاتجاهات التي كان يتبناها مع الإيمان أو الاعتقاد بالنقيض وغير ذلك وعميلة غسيل المخ تنفذ على مراحل:
1- مرحلة التذويب والتي تهدف إلى وضع الفرد في وضع يشك معه في القيم التي يحملها، من السابق لدرجة يميل إلى تغييرها أو حتى إلى اعتناق قيم بديلة لها، وقد أظهرها العدو سابقا عندما كان يربط بين إطلاق سراح بعض السجناء والتوقيع على وثيقة نبذ ما يسمى الإرهاب من وجهة نظرهم ، حيث تتفاوت أيضا ردود السجناء تجاهها، ورفضها البعض من سنين ولا زالوا في الأسر. 
2- مرحلة التغيير إعادة تعليم الفرد الأسير المعتقدات والأفكار التي يراد أن يكون عليها وتعتمد هذه العملية على بعض الأسس النفسية الهامة وهي:
-  العمل على إنهاك الفرد الأسير فكريا ونفسيا، وجسديا لدرجة التعب والإعياء وضعف القدرات الفكرية، والقدرة على الانتباه والتركيز، ويصبح الفرد في هذه المرحلة في حالة تشتت وضياع وتتضح هذه الملامح من خلال المداهمات الليلية أثناء النوم أو السجن الانفرادي ،... الخ.
-  عدم القدرة على التكيف أو إعادة التوازن العقلي والنفسي، بسبب المعاناة وعميلة العزل الطويلة  -شاهد على ذلك-، والتعذيب أحيانا مما يجعل الفرد يائسا، مستسلما يسهل تطويعه والسيطرة عليه...
- الإيحاء النفسي والتأثير بالجوانب النفسية والعقلية والسلوكية لدى الفرد وتشكيل سلوكه بالشكل المطلوب، وفي عميلة غسيل الدماغ تتحرك الإيحاءات في اتجاه واحد مركز حيث يتعرض الفرد أو الأسير لضغط جسدي ونفسي كبيرين، مع الإيحاء للأسير على تكوين اعترافاته وخاصة بعد أن يضعف لديه القدرة على التمييز العقلي بين أفعاله وأفكاره، وبين ما يوحي إليه عن طريق مستجوبيه.
- تنمية الإحساس بالذنب لدى الأسير (أو السجين) بحيث يطلب من الأسير مراجعة تاريخ حياته السابقة، وتبرير أفعاله السياسية والشخصية، والأخطاء التي قام بها مما يثير لديه الإحساس بالذنب، والخطأ وبالتالي كراهية الذات، والإحساس بالدونية و الضعف، وعدم الثقة بالنفس ... مما يجعله يتقبل آراء الآخرين وأفكارهم ويخدم مصالحهم . 
- تدمير الذات: إن عملية الإذلال، والتحقير، والتعذيب ... تؤدي بالفرد إلى احتقار ذاته، والتقليل من نظرته لذاته وهذه العملية تكون مؤثرة كلما كان الفرد ذو أهمية وسلطة ونفوذ ... وهو يقارن بين ضعفه وعجزه, وبين قوة أو سيطرة مستجوبيه، وهذه كلها تضعف من قدرة الفرد العقلية و النفسية على مقاومة عملية غسيل الدماغ.]
3- يخضع الضحية لعملية استكشاف غير صريحة تسعى إلى تحديد نقط الضعف في شخصيته الفردية، وأداة الوصول لذلك المقابلة أو المحادثة الشفهية الحرة، التي قد تتم دون أن يعلم الضحية بغايتها الحقيقية  
4-. 4-مرحلة إثارة القلق : حيث يتم التلاعب بنقاط الضعف إلى حد التمزق وهذه العملية يسهل تنفيذها على الأسرى والمعتقلين حيث يكون الضحية مقيداً في حركاته وتنقلاته وعلاقاته ، ولكنها لا تستحيل بالنسبة للآخرين ، وبصفة خاصة الدبلوماسيين بفضل العنصر النسائي والوسائل الأخرى.  
5-عندما تصل الضحية لمرحلة التمزق الكامل ، تبدأ مرحلة إعادة تشكيل شخصية الضحية ، ويتولى هذه العملية المحلل النفسي الذي يتسلم الشخص عقب وصوله إلى حالة التمزق ، ويعيد تشكيل شخصيته وفقاً للنموذج المستهدف) يصبح الشخص طفلاً في يد المحلل يشكله كما يريد (
 6-الإطلاق : في هذه المرحلة يعلن المحلل النفسي أن الشخص قد أضحى صالحاً لأن يطلق في مجتمع العدو ناقلاً السموم التي حقن بها)) 
الأساليب الفنية لغسيل الدماغ
1- السيطرة الكاملة : أي التحكم الكامل بكيان الضحية (السجين مثلا) ووجوده ويشمل هذا التحكم كل تصرفاته، حتى بالنسبة لقضاء حاجاته الخاصة . ويطبق في هذا الخصوص قواعد صارمة تغطي جميع ساعات يقظته ونومه ، والهدف : وضع السجين تحت مضايقة سكيولوجية مستمرة ، وإعطاءه الدرس بأن سجانيه هم القادرون على كل شيء وأنه لا حول له ولا قوة . 
2- الضياع والشك : يُهمل السجين فلا يُبلغ الاتهامات المُحددة ضده ، وتقابل شكواه بالغضب ثم يطلب إليه الاعتراف الكامل … فيحتار ، فهو لا يستطيع الدفاع لجهله بالتهم ولا يستطيع أن يرجئ طلباتهم بالاعتراف . 
3. العزل : عن الأسرة والعالم الخارجي . 
4. التعذيب : العقلي والبدني والنفسي . 
5. الإنهاك الجسدي : بنوع الطعام والنوم المتقطع … الخ . 
6. التحقير الشخصي .
7. تثبيت الجرم.
   وسائل غسل الدماغ 
-1استخدام العقاقير الخاصة : التي تؤدي للاختلالات والإغماء والرعشة . 
-2 الصدمة الكهربائية : لها نفس مفعول العقاقير ، وتؤدي الوسيلتان إلى طرد عادات واتجاهات اكتسبها الدماغ المريض فتخف أوهامه وتتلاشى تخيلاته ولا يجد الدافع القوي للانتحار أو قتل الآخرين . 
3 -غيبوبة الأنسولين : حيث يؤدي حقنه لخفض السكر بالدم وغيبوبة عميقة . 
-4 استئصال جزء من الفص الدماغي الجبهوي : مما يزيل حالات التوتر ، ويؤدي إلى تبديل شخصية الضحية حيث يقول بعض العلماء أن بعض الأفراد ممن أجريت لهم هذه الجراحة نسوا عقيدتهم الدينية تماماً . 
5 -الأسلوب السلوكي : بتنفير الفرد من سلوك معين وغرس الكراهية والنبذ لهذا السلوك أو العادة لديه ويتضمن هذا الأسلوب : تجويع المريض وعزله ووضعه تحت إضاءة خافتة أو شديدة ، أو في غرفة معتمة وإعطاءه أدوية تسبب القيء والدوار ، وإسماعه كلمات سيئة ، ثم كلمات محبوبة حين الانتهاء ، ويستخدم التيار الكهربائي المتقطع أثناء الإيحاءات … مع تكرار هذه الطرق لأسابيع أو أشهر مما يؤدي لتغيير في عادات أو أفكار الضحية . 
-6 التنويم المغناطيسي : وله طريقتان :
الأولى : استخدام الإيحاء في عقل الشخص النائم ليلتقط الأفكار المطلوبة فتطبع كلها أو جزء منها في يقظته ، وتحدث بذلك تغييراً وتحويرا في فكره واتجاهاته . 
الثانية : الحصول على اعترافات وشروح وتفاصيل مكتومة بطريقة سريعة ومختصرة . 
   

العمليات السيكولوجية في غسيل الدماغ
1-التقمص : يتقمص السجين عادة شخصية أكبر وأهم شخص من مستجوبيه أي أكثرهم نفوذاً وسيطرة ، وهذه العملية قد تؤدي لتعاطف السجين مع سجّانه فيسهل تطويعه.  
هبوط المقدرة الفكرية : الضعف الصحي يؤدي للتفكير غير المتماس.-2
3-قلة التلاؤم : نتيجة العزل الطويل ، وما يسببه ذلك من سهولة التطويع.  
4-الإيحاء : ويلعب دوراً أساسياً في معاونة الأسير على تكوين اعترافاته وخصوصاً أنه لم يعد قادراً على التمييز بين أفعاله هو والأفعال التي أوحيت إليه عن طريق مستجوبيه.
التكرار: تكرار القول أنه مذنب تؤدي للتقبل.-5
6-الشعور بالذنب : إجباره على مراجعة حياته الماضية وتبرير أفعاله الشخصية والسياسية من شأنه أن يثير لدى الأسير بعض الشعور بالذنب.  
تدمير الذات : عبر الإذلال والتحقير ، فتقل مقاومته لغسيل الدماغ-7 
السلوك المشروط : باستخدام الثواب والعقاب وإيجاد علاقة مع تقدم السجين ومدى استجابته.-8
9- السلوك غير العقلاني بوجه المثير المفاجئ : الإخضاع للتحقير والمذلة والألم والخوف والجوع يؤدي للتصرف بطريقة انفعالية وعاطفية وسيقوم بالتسليم لسجانيه والإذعان لهم بعد وقت قصير . 
. 10- تناوب الخوف والأمل : مع المعاملة القاسية والوحشية فإن سجانيه حريصون على استمرار أمل السجين بالحرية إذا أذعن لمطالبهم . 

هذا هو غسيل الدماغ الذي يستخدمه كل نظام حاكم، ضد المعارضين الذين لا ينصاغون لسياسية الحاكم، وقد استخدم نظام مبارك الحاكم قبل طردة من سدة الحكم، كل هذه الأنظمة ما ظهر منها وما بطن، وكم أهلك أهل العلم في السجون من بداية حكمة إلي خلعه ومحاكمته شدد الله أسرة مرتين، وفتح عليه أبواب جنهم الثمانية، فاللهم أسكنه وادي الغي، بدلاً من قصر عابدين وقصر العروية، الذي ودعهم المخلوع، مودع هرقل ملك الروم حينما قال سلام عليك ياسورية سلام مودع، ونحن نقول لا سلام عليك ولا وداع؛ واذهب إلي أصدقائك، حيث ينتظرك هناك قوم عاد وثمود وأصحاب الرسّ وبجانبهم أصحاب الأيكة، وفي مقدمتهم الفرعون الوحيد الذي مات غريقاً، طبعاً كلنا نعرفه. هؤلاء هم جيرانك في دار الحق، وخلانك يوم العرض، وندمائك يوم الحشر. 




[1] عقيد ركن / الهادي جميل: مجلة المسلّح الإلكترونية 
[2] الدكتور : عبدالله النجار,فلسطين , طبيب نفسي, المنتدى مكتبة علم النفس العصبى (الحرب النفسية وغسيل الدماغ)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق