السبت، 15 مارس 2014

آمنة نصير .. داعية من عصر الصحابة


آمنة نصير .. داعية من عصر الصحابة
                                                      
   هي واحدة من أبرز (الداعيات) في الوقت المعاصر؛ نظرا لكونها صاحبة آراء واجتهادات موضوعية ومعتدلة، وذات نظرة مُستقبلية ثاقبة في معظم القضايا والمشكلات، التي تمس المجتمع العربي والإسلامي في الآونة الأخيرة، علاوة على مواقفها ورؤيتها المتميزة تجاه عديد من القضايا الإسلامية بين الحين والآخر على الساحة الإسلامية مثل: المرأة والدعوة الإسلامية والعمل السياسي، وفتاوى الفضائيات، وقضايا الفقر؛ والرحم البديل؛ والطب المساعد، ورفضها وثيقة "عالم جدير بالأطفال" الصادرة عن الأمم المتحدة.
   ولدت آمنة نصير؛ في قرية (موشا) بأسيوط عام 1948م، ودرست في المدارس التبشيرية الأمريكية بداية من عام 1954م، ثم التحقت بكلية (البنات) بجامعة عين شمس قسم الفلسفة ودرست علم النفس والاجتماع وتخرجت عام 1966م، وحصلت على الماجستير فى موضوع (أبي الفرج ابن الجوزي) ثم الدكتوراة عن دراساتها (ابن عبد الوهاب).
  تقلدت د. آمنة العديد من المناصب سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي حيث عملت أستاذة زائرة في جامعة (ليدن) بهولندا، وقامت بالتدريس في (الأكاديمية الإسلامية) بالنمسا. وهي أيضا أستاذة للفلسفة الإسلامية والعقيدة بجامعة (الأزهر) ومتخصصة في علم الكلام والمذاهب والعقائد، وعميدة سابقة بكلية (الدراسات الإسلامية والعربية) فرع جامعة الأزهر بالإسكندرية، علاوة على عضويتها في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية؛ وفي الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
   إلى جانب ذلك ساهمت د. آمنة نصير بالتدريس ووضع المناهج العلمية لكلية التربية والآداب بالرياض بالمملكة العربية السعودية 1970-1974م، وكلية الآداب  1980–1984م، ومكثت زائرة بمكة المكرمة لوضع المناهج والإشراف على الرسائل العلمية لكلية التربية حتي عام 1980م، وسافرت بتكليف من وزارة التعليم العالي إلى جامعة ليدن بهولندا لبيان حقيقة الإسلام في بعض القضايا.
   يضاف إلى ذلك أن د. آمنة نصير كانت سفيرة للإسلام في المحافل الدولية، لما لديها من القدرة على الإقناع ومخاطبة الآخر والمُجادلة بالحسنى والموضوعية في معالجة القضايا الشائكة ولنظرتها المعتدلة دون إفراط أو تفريط، وقد تمثل ذلك جليا في مشاركتها في العديد من المؤتمرات والندوات الدولية، مثل مؤتمر "هل الأديان هي التي أدت إلى الصراع بين البشر؟" بسويسرا في الفترة من 8 إلى 13-6-2004م، والذي شاركت فيه ببحثها عن "علاقة الإسلام بالأديان الأخرى"، والمؤتمر العالمي السنوي للحوار في (فرانكفورت) وجاءت مشاركتها في المؤتمر العام التاسع عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة؛ تحت عنوان "مشكلات العالم الإسلامي وعلاجها في ظل العولمة" عام 2007م، علاوة على مواقفها المشهودة على المستوى الدولي خاصة فيما يتعلق بالدعوة إلى (الإباحية والإجهاض وممارسة الجنس) بطرائق غير مشروعة؛ فقد أعلنت رفضها جملة وتفصيلا لوثيقة عالم جدير بالأطفال، التي سعت الجمعية العامة للأمم المتحدة لإقرارها، خلال مؤتمر الطفل الذي عقد في الفترة من 8 إلى 10-5-2002م.
   ولا بد من الإشارة إلى أن هناك العديد من الأساتذة والمفكرين، الذين كان لهم الفضل في تكوين  وبلورة الفكر الإسلامي للدكتورة آمنة نصير، أمثال الدكتور "محمد رشاد سالم" في علم الكلام، وأستاذ التصوف الدكتور "محمد مصطفى حلمي"، والدكتورة "سمية حسين" في علم النفس.
الإنتاج الفكري :
   لقد أثمر الفكر الفلسفي والاجتماعي خاصة في المجال الإسلامي للدكتورة آمنة نصير؛ عن العديد من المؤلفات والدراسات التي عالجت معظم القضايا التي تشغل بال الرأي العام العربي والإسلامي؛ علي حد سواء، ومن هذه الكتب:
   الدفاع عن الإسلام في مواجهة الغرب: وتناولت فيه تفنيد الحجج ودرء الشبهات التي يحاول الغرب إلصاقها بالإسلام بشتى الطرق، ومن أهمها تعدد الزوجات في الإسلام، والقول بأن الإسلام دين دموي انتشر بحد السيف... الخ.
   أما كتابها "حكمة الإسلام في تعدد الزوجات" فقد أوضحت من خلاله أن التعدد كان موجودا قبل الإسلام، ولكنه كان بلا قيود أو ضوابط، إلى أن جاء الإسلام، ووضع له عددا من الضوابط الأخلاقية والاجتماعية، وذلك لعلاج النفوس الإنسانية وصيانة المجتمع الإسلامي.
   إضافة إلى ذلك تحاول د.آمنة في مؤلفها "المفهوم الحضاري للإسلام في الحرب والسلام" الرد على الشبهات التي تعترض الإسلام ومنها أن الإسلام دين دموي لا يعرف مكانة للإنسان ولا يهتم بالإنسانية، وبينت أن الإسلام دين مُتحضر ودين سلام، وليس دين عدوان أو دينا دمويا انتشر بحد السيف كما يزعم الغرب. فوصايا الخلفاء الراشدين للمحاربين كانت من قبيل: "لا تُجهزوا على جريح، ولا تتعقبوا هاربا، ولا تقطعوا شجرة، ولا تذبحوا ذبيحة لإتلافها، ولا تطاردوا عجوزا .." وحينئذ يسبق الإسلام جميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، في احترام هذه الحقوق ومعها حقوق الحيوان، والجرحى، والأسرى بصورة لا تعرفها البشرية من قبل، إضافة إلى أن الحرب في الإسلام غير مباحة إلا بعد المكاتبات والمراسلات والدخول في الدعوة إلى الدين، ولا تأتي الحرب إلا بعد وقوع العدوان.
   وقد علق عباس العقاد علي ذلك بقوله: "شاع عن الاسلام انه دين السيف، وهو قول يصح فى هذا الدين إذا أردا قائلة أنه دين يفرض الجهاد ومنه الجهاد بالسلاح، ولكنه غلط بين إذا أريد به أن الاسلام قد إنتشر بحد السيف أو أنه يضع القتال فى موضع الاقناع". ويذكر فى موضع آخر: " ولم يعمد المسلمون قط الي القوة إلا لمحاربة القوة التي تصدهم عن الاقناع، فإذا رصدت لهم الدولة القوية جنودها حاربوها لأن القوة لا تحارب بالحجة والبينة، وإذا كفوا عنهم لم يتعرضوا لها بسوء.[1]
آمنة بين الدعوة والعمل السياسي :
   أما عن التوجهات والمُسَلَّمات الفكرية لدى د. آمنة، فيتقدمها إيمانها العميق بعمل المرأة في مجال الدعوة، على أن تتمتع في إطار ذلك بالعديد من المقومات، من أهمها: أن تكون على بصيرة بما تدعو إليه، وأن تكون على دراية تامة ووعي بعلوم القرآن الكريم، والسيرة النبوية، وأن تكون قدوة لغيرها من المُسلِمات من خلال تحليها بالأخلاق الإسلامية وأدبها.
   وتمشيا مع الدور السياسي للمرأة في العهد النبوي والذي تم بلورته في (بيعة) النساء لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد فتح مكة، والتي تعد وثيقة للحقوق السياسية للمرأة في الإسلام، ودستورا عقديا على مستوى رفيع من الممارسة الفعلية، إضافة إلى بيعة (العقبة الثانية) وقيام أصحابها من أهل يثرب بحماية النبي (صلى الله عليه وسلم) وقيام المرأة بدورها في هذه البيعة في البناء السياسي للدولة الإسلامية قولا وفعلا، دافعت د.آمنة عن الحقوق السياسية للمرأة مشاركة وممارسة، ونادت بضرورة إعطائها حقوقها في ذلك المجال، لتساهم بقوة في عملية التنمية، وهذا ما تَجلَّى بصورة فكرية في مؤلفها "المرأة الإسلامية بين عدل التشريع وسوء التطبيق".
  علاوة على ذلك كان إبراز الطابع العالمي والوجه الإنساني للإسلام من أجلّ الاهتمامات الفكرية والأدبية للدكتورة آمنة نصير، وذلك مع بيانها لقضية الحدود في الإسلام، والعولمة خاصةً في شقها الثقافي، وإشارتها لموقف الإسلام من قضايا البيئة وقضايا الفقر، والطب المساعد، وتصديها لقضية إقامة حد القذف على الصحافيين، وقضية إثبات نسب الطفل، وفتاوى الفضائيات... الخ.[2]
آرائها :
   لها العديد من الآراء حول الكثير من القضايا وخاصة ما يرتبط بالجماعات الجهادية إذ قالت عندما هاجم "نزار غراب" علماء الأزهر وأصفا إياهم بقوله: "إنهم علماء السلطة". فردت عليه قائلة: أن هجوم "نزار غراب"، القيادي بجماعة الجهاد - المعروفة بعنفها وعملياتها الإرهابية تجاه الدولة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي - وعضو مجلس الشعب المنحل، على المؤسسة الدينية التي يمثلها الأزهر الشريف، ووصفه علماء الأزهر بأنهم علماء السلطة، لا ينبغي الالتفات إليه، لأنه يعتبر "سفاهة" من قوم استمروا في التطاول واستباحة أعراض الناس"[3].
   هكذا تمثل أمنه نصير نموذجا فريدا فى العمل الدعوى .. وتمتاز بعقلية ناضجة قادرة علي علاج الكثير من المشاكل الجتمعية وخاصة ما يتعلق بالمرأة، وما زالت تؤدى دورها بإتقان.


[1] عباس محمود العقاد: حقائق الاسلام وأباطيل خصومه، دار نهضة مصر، 1999، ص 166

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق