السبت، 13 أبريل 2013

شخصية اليوم هي من اسيوط وهو (محمد محمود باشا رئيس وزراء مصر)


محمد محمود باشا
بقلم الباحث/ مصطفي محمود علي

   في يوم ما أشرقت شمس أسيوط علي وجه جديد قُدر له أن يكون في يوم ما رئيس وزراء مصر، ويخوض المعارك السياسية الطاحنة، في مرحلة من أصعب المراحل التي مرت بها البلاد، حينما كانت الكلمات تتقاذف بين الملك فؤاد والحركة الوطنية، هذا الملك الذي أراد أن يكون خليفة للمسلمين سواء صرح بذلك أم لم يصرح، فإننا نعرف الجيل قبل الأخير من أحفاد محمد علي "صاحب الفضائل والمكارم والهمة التي هي أمضي من الصّارم" علي حد تعبير اسكندر بن يعقوب أغا بكاريوس ألأرمني[1].
  وحينما يتشبع الإنسان بحب الوطن ينبع قلبه بالحنان والوطنية التي لا يخشي معها أي شيء، فكان مترجمنا أول من أطلق فكرة تأليف وفد في سبتمبر 1918، للمطالبة بحق مصر في تقرير مصيرها وفقاً للمبادئ التي أعلنها الرئيس الأمريكي "ولسن" عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وفي اليوم السابق للثورة - 8 من مارس 1919-  اعتقل الإنجليز محمد محمود مع سعد زغلول ورفاقه وهم حمد الباسل وإسماعيل صدقي وغيرهم، ونفوا إلى مالطة، مما أدى إلى تأجيج المشاعر الوطنية وانفجار الثورة، وعقب الإفراج عنهم، في 8  إبريل 1919، سافروا إلى باريس، وانضم إليهم بعد ذلك بعض أعضاء الوفد، وظل الوفد بين باريس ولندن في مفاوضات ومباحثات لمدة عامين. ويذكر يونان لبيب: "أنه سافر إلي الولايات المتحدة الأمريكية للدعاية للقضية المصرية، وشارك مع بعض زملائه في تكوين حزب الأحرار الدستوريين عام 1922، حيث اختير وكيلا له"[2]
   قال عنه أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد: "انه كان منذ شبابه في مقدمة الرعيل الأول من المواطنين العاملين لتمهيد سبل الساعين بوطنهم إلي الاستقلال التام، ومازال كذلك حتى صار زعيماً من زعماء الوطنية والأحزاب السياسيةالتي يشار إليهم بالبنان، -وإننا هنا لا نكيل لأحد الثناء والمدح- لقد فعل هذا الجيل في سبيل الوطن والتحرر من الاستعمار، ما لم تستطيع فعله جماعة أو حزب ما في أي بلد خارج مصر، إلا بعد عناء طويل وليست المغرب وليبيا والجزائر عنا ببعيد.
   وهو لم يكن سياسيا فحسب بل كان من المحبين لنشر العلم فقد ساعد شاعر النيل "حافظ إبراهيم" علي طبع قصيدته بأربعمائة جنيه[3]، في وقت كان هذا المبلغ كبير جدا، واستمرارا لهذا الدور التعليمي الذي يقوم به، أنشأ "المدرسة المحمدية للبنات بالفيوم" حينما كان مديرا للفيوم عام 1908.
من هو محمد محمود:
   ولد محمد محمود باشا عام 1877  في ساحل سليم التابعة لأسيوط ونشأ بها وتلقي تعليمه بمدرسة أسيوط، ثم انتقل إلي القاهرة ودرس في المدرسة التوفيقية بهذه المدينة، وهي من المدارس المتميزة، ثم سافر إلي إنجلترا والتحق بجامعة أكسفورد، ولما نال شهادته العالية عاد إلي مصر، وعين مساعداً لمفتش المالية، ثم وكيل مفتش في الداخلية، ثم سكرتيراً لمفتش الداخلية ثم مديراً للفيوم ثم محافظاً للقنال ثم مديراً للبحيرة، ثم اعتزل الخدمة مدة، ثم اختير وزيرا في وزارات مختلفة ثم تولي رئاسة الوزراء في عهد الملك فؤاد، ثم في عهد الملك فاروق وأنعم عليه بلقب (صاحب المقام الرفيع). وقد اشترك في الحركة الوطنية عام  1919 ونفي إلي مالطة، وخاض طرق السياسة مبرزاً كل طاقاته في خدمة الوطن.
*   *    *
   لقد أثقلته الوزارات التي تولاها وجعلت منه خبيرا بالسياسية متمرسا علي العمل فيها، فقد تقلد وزارة المواصلات في وزارة "عدلي يكن"  الثانية (7 يونيو 1926-21 أبريل 1927)[4]، ثم تولي وزارة المالية في عهد وزارة "عبد الخالق ثروت باشا" الثانية (25 أبريل 1925-16 مارس 1928)،[5] ثم عاد مرة ثانية ليتولي وزارة المالية في عهد وزارة "مصطفي النحاس باشا" الأولي (16 مارس – 25 يونيه 1928)[6].
   يقول إسماعيل صدقي باشا في مذكراته: "كانت الرغبة متجهة إلي اختياري لتأليف الوزارة علي اثر إقالة النحاس باشا في يوليو  1928 وخوطبت في ذلك خطاب شبه رسمي، وتهيأت لتأليفها، بل وضعت أسماء الوزراء الذين وقع عليهم اختياري ليتعاونوا معي".. ويفاجأ الرجل بالملك ينصرف عن ترشيحه ويكلف "محمد محمود باشا" بتأليف الوزارة الجديدة، وقد تحدث المؤرخ يونان لبيب رزق عن وزارة محمد محمود باشا بشيء من التفصيل.
   ثم تولي رئاسة الوزراء لمرة ثانية في الفترة من 30 ديسمبر 1937- 27 أبريل 1938إلي جانب وزارة الداخلية، ثم كانت وزارته الثالثة في 27 أبريل 1938- 24يونية 1938، ولم تعمر هذه الوزارة أكثر من شهرين ، وتشكلت وزارته الرابعة 24 يونيه 1938- 18 أغسطس 1939. وإن كان مشواره في السياسة مثقلاً بأعباء الوطن محاولاً الخروج به من براثن التخلف الذي جلبه المستعمر من عدم الاهتمام بالتعليم وخلافة، فإنه سيبقي علامة نيره في سماء السياسية المصرية. وبعد وزارته الأخيرة ترأس المعارضة في مجلس النواب حتى توفي في يناير 1941.
   وبالجملة فإنه شخصية فريدة في هذا العصر وتاج رأس هذا الدهر تمتع بالذكاء والخلق السامي والشهامة وصفات الشجاعة التي ورثها عن أبية رئيس حزب الأمة[7] واقتحم ساحات المعارك السياسية وشارك في الحركة الوطنية، ومحاولة إخراج الإنجليز من مصر، فكان كما قال الشاعر:
هذا الهُمام الذي شاعت مكارمهُ
فلُذ به فهُو ربٌ المجد والكرم
هذا الذي جرت الأقدار حين جرت
أقلامُه في فصُول الحُكم والحِكم
هذا ابن من صِيتهُ قد طار منتشراً في
الشرق والغرب بين العَرب والعجم
يداه ما خلقت إلا لبذل نداً
للسائلين، وفخر السيّفُ والقلم
زهت بدولته الأيّام وابتهجت
به المنازل فاستغنت عن الدَّيم
تاج الزمان فريد العصر أفضل
من أمّت حماه مطايا العزم من أمم



[1] اسكندر بن يعقوب أغا بكاريوس ألأرمني: هو الأديب الذي اشتهر بكتاباته الأدبية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهو صاحب كتاب: تاريخ محمد علي باشا المسمي المناقب المصطفوية والمآثر المحمدية العلوية، الذي حققه، أحمد عبد المنعم العدوي، وقدم له المؤرخ العظيم، رءوف عباس. وإن كان هذا الكتاب من المصادر الأدبية النادرة التي تكلمت عن محمد علي فإنها لا تخلوا من مبالغات ومدح وثناء لمؤسس الأسرة العلوية وأبنه القائد  الفاتح إبراهيم باشا.
[2] يونان لبيب رزق: تاريخ الوزارات المصرية 1878-1953، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، 1975،  ص322
[3] واعتقد أن الأسايطة يعطفوا علي بعضهم البعض، فالشاعر والوزير هنا هم من أسيوط، فالأسيوطي يُعرف بطبعه الكريم وأشد ما يظهر هذا الطبع وهو خارج محافظته.
[4] يونان لبيب رزق: المرجع السابق  ص296
[5] المرجع السابق نفسه، ص 307
[6] نفسه نفسه، 312
[7] أنظر ترجمة محمود باشا سليمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق